من حادث سبتمبر 2001 إلى الآن.. حروب وكوارث لم تتوقف

الأثنين 17 من محرم 1441 هــ
العدد 48496
منذ 18عاما بالضبط، مازلت أتذكر أننى كنت فى زيارة إلى تونس وأثناء تحاورى مع بعض الشخصيات حدث هرج ومرج، وأحاديث صاخبة، محاطة بضجيج غير مألوف.. أبراج التجارة فى نيويورك تسقط بفعل طائرات مدنية أمريكية، اقتحمت هذا الصرح، وأسقطته، والضحايا بالآلاف..
لم أستطع أن أغمض عينى، وقد اكتنفنى، ساعتها، انقباض، وانتابتنى مخاوف عديدة، رغم أصوات بعض الشامتين من حولى، أو الذين يبدون سعادة لهذا الحادث الأليم والقاسى، لكننى لم أستطع أن أجاريهم، وقد تملكنى شعور لم أستطع التخلص منه، بأن الحادث بداية لا نهاية لحروب طويلة لن تتوقف، ستكون بلادنا العربية والإسلامية ضحيتها أو مسرحها، لأننا العنصر الأضعف فى هذا العالم، ورغم ضعفنا العسكرى والحضارى والثقافى، فإن صوتنا كان الأعلى، والأكثر تهديدا لكل ما حولنا!!
ويبدو أن هذه هى طبيعة الضعفاء، لا يتوقفون عن الكلام والتهديد الأجوف بلا معنى، فهم يهددون، ولا يعرفون ما ينتظرهم..
جاءت الأخبار السريعة بأن قاعدة بن لادن وأفغانستان دبرت، ونفذت الحادث الإرهابى البشع، ومن يومها، وقد مر ما يقترب من عقدين، لم تتوقف الحروب، بل تنتقل من منطقة إلى أخرى فى عالمنا العربى والإسلامى.
ومازال صدى كلمات الخبراء الأمريكيين الذين قابلتهم بعد سقوط سور برلين، وانهيار الاتحاد السوفيتى، بأننا مقبلون على حروب أيديولوجية سياسية جديدة، تتردد فى أذنيّ..
هل هذا هو المسرح الجديد؟ نمت الظاهرة فى منطقتنا العربية مع بداية القرن العشرين، وعرفت باسم الإسلام السياسى، ثم تطورت بفشلها السياسى إلى ولادة جماعات التطرف والإرهاب، وبدأت تتناسل كالفيروسات بلا عدد، وبكل الأسماء، من الإخوان إلى القاعدة إلى داعش إلى النصرة إلى حماس على الجانب (السني)، والجانب الشيعى كانت أحزاب الله، والحشود الشعبية، وأنصار الله إلى آخره..
جناحان متطرفان تنافسا للاستئساد بالدين الإسلامى السمح والمعتدل، بينما الدول الإسلامية العريقة، والمؤسسات والجامعات القديمة، والتقليدية خجولة وعاجزة عن مجاراتهم، أو اقتحام عرين التطرف والإرهاب الذى تمدد بشكل أخطبوطى كالسرطان..
الصوت الخجول للعقل أدى إلى استمراء التطرف والإرهاب، بل إلى استيلائه على مساجدنا، وكل منابرنا، وانسحب الجميع، وتركوا المسرح أو البلاد أمام هذه الفوضى والتطرف المخيف..
معظم أقطارنا (جمهورية وملكية) استسلمت بل وتغاضت عن هذا التطرف بالسكوت والصمت.
عدت إلى صراع الحضارات للمفكر الأمريكى (هنتنجتون)، والذى صدر قبل هذه الجريمة الفارقة فى التاريخ الإنسانى بـ 8 سنوات، وكيف غاب عن هذا المفكر أن الصراع عادة أو بالفعل لا ينتصر فيه أحد، وأن الصراعات أو الحروب تفرق الجميع، وكيف أن الحضارات لا تتصارع إلا إذا فقدت عقلها، ويبدو لى أن هذا ما حدث، ومازال يحدث.. وجاء مفكر عربى هو (أمين معلوف) ليستخلص من هذا الصراع بأنه (سقوط الحضارات) ..
كارثة سبتمبر 2001 أسقطت الحضارات، واستسلم العقل والساسة فى عالمنا للصراع، وعجز المفكرون والكتاب عن أن يأخذوا بأيديهم إلى باب الحكمة، والخروج من الكارثة..
مجانين التطرف والإرهاب يحكمون ويتحكمون، وأدوا بعد عقد كامل إلى سقوط أهم بلادنا، (سوريا والعراق واليمن وليبيا)، وهناك مجتمعات أخرى لم تستقر بعد، وتحاول، ولم تستطع أن تخرج من كارثة الحروب والصراعات بين الحضارات، وبين الشرق والغرب وبين الأديان..
الخسائر الفادحة لكلا المعسكرين فى الشرق وفى الغرب، ولكن لبلادنا ولشعوبنا الفقيرة والضعيفة أكثر، وبالرغم من كل ذلك، فليست هناك دعوات للإصلاح أو للتغيير فى عالمنا، مازال المتطرفون يتحكمون، ولم نستطع أن نواجههم بخسائرنا وانهيار بلادنا نتيجة كوارثهم، ولم نستطع حتى الآن الضرب على أيديهم، بل لاتزال بيننا بلاد، وقوى تمول هذه الجماعات، وتستخدمهم لأهداف سياسية رخيصة، ستكون نتيجتها وبالا على جميع البلدان بلا توقف، تتدهور أوضاعنا وحالتنا، ولم نستطع أن نبدأ بعد حركة إصلاح دينى، تنقذ الإسلام من أيدى المتطرفين، وأكبر بلدين إسلاميين (تركيا وإيران) ومعهما حليفتهما قطر فى الخليج العربى مازالا يوظفان التيارات المتطرفة الإسلامية والشيعية، لإثارة أكبر ضجيج فى هذا العالم، فالأتراك يوظفون الإخوان المسلمين، والإيرانيون يوظفون أحزاب الله، والحرس الثورى، بل يوظفون دولتهم فى صراع لا طائل من ورائه، وإنتاج القنابل الذرية والنووية، وتجنيد الميليشيات فى كل البلاد الإسلامية والعربية، وعلى الجانب الآخر… هناك الأتراك يوظفون الإخوان المسلمين وجماعات النصرة لحروب فى الشام والعراق لا تتوقف، والغرب مازال يترقب الحالة العربية، أو الحالة الإسلامية بالكثير من المخاوف، وتفشى الإسلاموفوبيا فى كل البلدان الأوروبية، والمسلمون البسطاء فى كل مكان يدفعون ثمن حماقة الإرهاب والتطرف الذى ترعاه دول كبرى فى العالم الإسلامى..
منذ حادث الإرهاب البشع فى 2001 والحروب الأمريكية مشتعلة فى منطقتنا، واستباحت كل العرب والمسلمين، بل ووصمت الإسلام بالإرهاب، وها نحن ننظر حولنا، لنجد أن العالم كله اجتمع فى سوريا، لقتال المتطرفين وقتل سوريا معهم، هناك الروس وغيرهم من الإسرائيليين احتلوا الشام، ووجدنا الإسرائيليين يستأسدون على كل المنطقة بحجة إيران والإرهاب.
صورة العالم الإسلامى بعد 18 سنة على حروب الإرهاب والتطرف، وبعد حادث نيويورك، لا تحمل حتى الآن بشارات .
إن الحرب لا تتوقف، بل إن الضحايا يتزايدون.. والمنطقة على صفيح ساخن مستمر، وتخرج من حرب إلى كارثة، ويبدو أنها على أبواب حرب جديدة وقودها هذه المرة ما تبقى للمنطقة العربية من استقرار، والحرب الآن على الهنود والباكستانيين حول كشمير، والروس والشيشان يتقاتلون داخل سوريا، والأوروبيون عاجزون عن الوساطة، ووضع حد للحروب، والإسرائيليون يستأسدون على ما تبقى للفلسطينيين من أرض، وينشرون دعاوى الكراهية والتعصب، وما استطعنا تحقيقه من سلام مع الاسرائيليين أصبح الآن فى مهب الريح، بعد سيطرة ديكتاتورية التطرف والإرهاب على الحكم فى إسرائيل..
صورة كئيبة لهذا العالم، ولمنطقتنا، ولكنها الحقيقة ..هكذا العالم ومنطقتنا بعد 18عاما على أقبح جريمة إرهابية ضد الإنسانية، ارتكبها التطرف والإرهاب المتأسلم ضدنا أولا، وضد العالم ثانيا..