تيتانيك.. وتيتان.. وبينهما المتوسط!

الخميس 11 من ذي الحجة 1444 هــ
العدد 49878
المفارقة هنا فى الشرق..فى المتوسط.. أقصد البحر الأبيض الذى بين شطريه لا يكاد يمر أسبوع من دون كارثة إنسانية بحرية مفزعة، وسقوط سفن محملة بالمهاجرين، أو الهاربين من جحيم بلادهم على وقع الحروب والأزمات، ورحيل أبناء الدول التى سقطت لأسباب عديدة إلى أوروبا (الضفة الأخرى من البحر)، وآخرها كارثة قرب أحد السواحل اليونانية.. ٧٠٠ ضحية مرة واحدة ابتلعهم المتوسط بلا رحمة بين الجميع وهم يبحثون عن الجنة، أو الفردوس المفقود ببلادهم فى أوروبا..فى بلدان يسمون المتوسط “المقبرة”مع تزايد أعداد الضحايا والهاربين، ونسوا اسم “البحر”، فهم مشغولون للغاية بالبرامج التى تطلقها المفوضية المتوسطية، وصندوق المناطق البحرية المحمية، وإدارة النفايات والتلوث، وهذا ليس عيبا، لكن هل ننسى قوارب الموت، أو سفنها الغارقة، فى هذا البحر الجميل، والمهاجرين الذين يُقدرون بالملايين، ويتزايدون، والأرقام الفلكية، التى يموت أصحابها بلا اسم، وبلا عنوان؟!

لقد انشغلوا فى أمريكا وأوروبا بأحدث غواصة بالتكنولوجيا، ورحلتها المذهلة (8 أيام بتكلفة 250 ألف دولار)، حيث تنزل الى أعماق الأطلسى “تيتان” التى شيدتها شركة أوشين جيت، وتحمل المغامرين الأغنياء ليروا حطام السفينة تيتانيك التى ابتلعها الأطلسى منذ١١١ عاما، ومازالت تخلب الذهن، ومبعث الإلهام للأوروبيين، والأمريكيين، والباحثين عن المغامرات حول العالم، وأسماء ضحاياها فى كل الأفلام الجماهيرية، والمسلسلات المدهشة، والنهضة الجديدة التى ظل العالم متحلقا حولها..حول صاحب الشركة رجل الأعمال الأمريكى ستولتوش راش، وأصدقائه الطيار والغواص الفرنسى بول هنرى- ٧٧ عاما، والثرى البريطانى هيميش هاردينج، ورجل الأعمال الباكستانى شاه زاده ونجله سليمان الذين ابتلعهم الأطلسى جميعا وهم فى غواصة حديثة لا فرق بينها وبين سفن وقوارب الموت فى المتوسط، وكلهم وجدوا مقابرهم فى قاع البحار، والمحيطات.. الفقراء بحثا عن الحياة، والأغنياء بحثا عن المغامرة..الفرق أن هناك أدباء ومفكرين فى أوروبا وأمريكا قادرون على تحويل الكوارث إلى خيال يعيش فى الأذهان، وعندنا ضحايا فى المتوسط بلا عنوان، وبلا أسماء.. لله فى خلقه شئون!.