سلايدر

رسالة أسامة سرايا لـ مجدي مهنى !

من الزميل الأستاذ أسامة سرايا، رئيس تحرير صحيفة «الأهرام»، تلقيت هذه الرسالة:

الزميل العزيز:

احتراماً لسنين طويلة قضيناها معاً في مجلس نقابة الصحفيين، أمسكت بالقلم لكي أناقشك فيما كتبته في عمودك «في الممنوع» بـ«المصري اليوم»، ليس لكي أرد عليه، فكل منا يقول كلمته ويتحمل مسؤوليتها أمام ضميره.. وقد كان مقالي عن «الحرية في مصر»، من واقع قضيتين، الأولي هي الحرية الصحفية، والثانية هي الحريات الدينية،

وقد ناقشت فيه تقرير الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية في دول العالم، ومنها مصر، وناقشت الآراء الأمريكية تفصيلاً، ومنها توصياتهم وتوصيفهم أوضاعنا الدينية ونقدهم حكومتنا بعدم الاستماع لنصائحهم، التي لو استمعنا إليها وأخذنا بها، لفتحنا الباب أمام انهيار مجتمعاتنا وثقافتنا التي نعتز بها، ولفتحنا باباً واسعاً للفوضي الدينية وما وراءها.

أما الجزء الأول، والخاص بالصحافة، الذي تناوله تعليقكم، فقد ركزت فيه علي حرياتنا كصحفيين، وحريات الآخرين، في محاولة لسد الباب أمام فتح ثغرة كبري في قلب الحرية، باستخدام الصحافة، وحاولت أن أشرح للبعض مخاطر أن تنزلق حرية الصحافة لتصبح اعتداء علي حريات الآخرين وعلي حقوقهم، أو أن تقع الصحافة فريسة لممارسة الابتزاز والتشهير بالآخرين، دون وجه حق، أو أن تتحول إلي بوق لزرع اليأس في نفوس الناس والشباب، بدلاً من أن تأخذ بأيديهم وتساعدهم في التحول نحو واقع جديد.

وقد طالبت بالمكاشفة والصراحة، حتي نحافظ علي تاريخنا الصحفي المشرف، ويبدو أن هذا الجانب هو ما لاحظته في تعليقكم.. نعم المكاشفة والصراحة، لأن واقعنا لن يرضي أحداً، ومستقبلنا سوف يكتنفه الكثير من الغموض، إذا ساد مفهوم أن الحرية تعني التشهير والقذف وممارسة الابتزاز بكل أشكاله السياسية والاقتصادية، بل والاجتماعية،

وحتي الدينية، أو أن صناعة الصحافة تعني صناعة اليأس، أو أننا كصحفيين أصبحنا غير قادرين، في ظل حالة المنافسة والصخب الحالي، علي الوصول إلي القراء، إلا عبر حملات التعريض بالرموز وسب الناس، وأن تكون الحكومة وكل شخص عام لصاً حتي يثبت العكس..

وإذا أثبت براءته يتوه صدقه في الزحام والضجيج المفتعل علي صفحات صحفنا، أو نجعل من صحفنا وسائل لاجتذاب الإعلان بتخويف رجال الأعمال والقفز علي الأعراض والذمم المالية، أو بتخريب علاقاتنا بالدول الخارجية، مستخدمين صوراً وأشكالاً متعددة، والهدف يكون دائماً مصالح ضيقة أو شخصية للصحفي أو للصحيفة أو لهما معاً.

وهذا ما قصدته من أن مشكلات الصحافة تأتي من داخلها، ومن بين العاملين فيها، ومن سوق الصحافة التي أصبحت عاجزة عن استيعاب المنافسة، إلا بالأشكال الفاسدة بعد أن أصابتها التخمة الإعلامية.

وعندما قلت إن حرية الصحافة في مصر لاتزال بخير، وهي الأبرز بين دول المنطقة، وأنها سوف تستمر كذلك، فإن هذا هو الواقع بالفعل، فلانزال نكتب جميعاً، أنا وأنت وغيرنا، بل إن الموضوعات التي أحيلت إلي المحكمة أعادت الصحف نشرها، وكأنها دليل علي الشجاعة،

وليست دليل إدانة، والقضية التي حكم فيها بالحبس علي أربعة زملاء، تناسينا الكفالة، بل وتناسينا أن نظام التقاضي في مصر أمان، حيث تتعدد درجاته، بل وتناسينا أن القضية ليست بين حكومة أو نظام وصحافة..

وذهبنا جميعاً إلي «الدوشة» و«وجع الدماغ» والصياح والعويل والصوت العالي واللقاءات والمؤتمرات في نقابة الصحفيين، كما وصفت تماماً، وإنني أتفق معك في ذلك، فلقد ذهبنا جميعاً، مستغلين واقعة لم تنته بعد، لكي نهيل التراب علي أعظم مكاسبنا، وهي حرية الصحافة التي لم تمس.

فماذا تقول يا زميلي في تلك الواقعة الماثلة أمامك؟.. ألا تتفق معي في أن مزاج الصحافة والعاملين بها في حالة من السخط تضر الصحفيين أنفسهم؟.. والأخطر أنها تضر المجتمع وتضلله وتدفعه إلي حالة من الفوضي والفشل، وأنه آن الأوان للمكاشفة، ولأن نتكلم معاً بصراحة حرصاً علي مستقبلنا ومستقبل مهنتنا، والأهم علي مستقبل بلدنا، أما نقابتنا التي أشرت إليها في نهاية عمودك، فأسمح لنفسي بالرد عليها،

لأن النقابي القديم داخلي في حالة غضب منها، فأقول إن استمرار النقابة في الفشل الراهن وفي زرع الفتن بين الصحفيين، علي اختلاف انتماءاتهم، وفي إقحام ما هو سياسي ونقابي، سيدفع الكثيرين من الصحفيين والمهنيين للمطالبة بأن تتحول النقابة إلي مراكز خدمات، وأن تنظم القوانين المهنية وتحميها من أصحاب الصوت العالي، الذين اختطفوا النقابة ذات التاريخ العريق.

شكراً يا زميلي، وأذكرك بأنني لم أغب في أزمة القانون ٩٣ لسنة ١٩٩٥، وعد إلي أرشيفك، ويمكنني أن أرسل إليك أكثر من مقال كتبته في ذروة تلك الأزمة.

التوقيع: أسامة سرايا رئيس تحرير «الأهرام»

* لعلي أتفق مع الزميل العزيز في ضرورة منع التجاوزات الصحفية، التي لا يستطيع أحد أن ينكر وجودها.. سواء في الصحافة المستقلة أو القومية.. وأرجو أن يكون مفهومنا للتجاوزات ليس فقط تجاوزات الكتابة.. بما قد تتضمنه من سب أو قذف غير مباح.. وإنما جميع التجاوزات الأخري.. مثل الخلط بين التحرير والإعلان وإهدار المال العام في المؤسسات القومية.. وغيرها.

ولعل الزميل سرايا يتفق معي في ضرورة إلغاء الحبس في قضايا النشر.. ومطالبة الرئيس مبارك بتنفيذ وعده في هذا الشأن.. وأي حوار بين الدولة والصحفيين.. لابد أن يقوم علي قاعدة منع التجاوزات وإلغاء الحبس.

ولا أتفق معك في إلقاء كامل المسؤولية واللوم علي نقابة الصحفيين.. فالنقابة تتحمل جانباً منها.. والدولة تتحمل المسؤولية الأكبر عن تسميم الأجواء الصحفية.. فالحالة الصحفية هي انعكاس لما يجري في المجتمع المصري.. وما يشهده من انفلات وحالة رجرجة، هي أقرب إلي «البالوظة»، كما وصفها الدكتور علي الدين هلال.

ولا فائدة من توجيه الانتقادات الحادة إلي النقابة وإلي مجلسها الحالي، لأن التجاوزات لم تظهر في فترة المجلس الحالي فقط.. وطبيعي أن تكون هناك تجاوزات.. لكن غير الطبيعي هو عدم التصدي لها..

ولعلك تتفق معي في أن أهم ما يجب الحفاظ عليه هو وحدتنا كجماعة صحفية.. ثم الاتفاق علي حماية حرية الصحافة من أي عدوان عليها، والوقوف في الوقت نفسه ضد التجاوزات.

لماذا لا نطرح جميعاً تصوراتنا ورؤيتنا للحل.. بدلاً من حالة الاشتباك والترصد الحالية، التي كرست وتكرس الانقسام داخل الجماعة الصحفية؟

أخيراً.. تقبل تحياتي وتقديري لك.. فأنت رئيس تحرير أكبر صحيفة قومية.. ولم تسلم من تجاوزات قلم زميل لك يعمل في صحيفة قومية أخري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى