دولة الرئيس زياد الرحبانى

الأثنين 3 من صفر 1447 هــ
العدد 50638
فقدت دولة الموسيقى العربية رئيسها المعاصر العبقرى زياد الرحبانى، ابن عاصى الرحبانى، الفيلسوف، والمُوسِيقِى المبدع، المؤسس لأجمل الأصوات العربية (فيروز). الرحبانى الراحل من بيت الموسيقى العريق، وقد جمع بين الحسنيين، وأعطته الموسيقى جينات الأب والأم، فصنع هوية عربية، وثقافية، وفنية، للموسيقى المعاصرة، وقد احتضن بموسيقاه، وفنه كل العرب، وليس لبنان وحدها، وقد أحدث ثورة بالمسرح اللبنانى انتقلت لكل بلداننا، ولذلك قلوبنا مع الأم (فيروز) تهتز لرحيل ابنها العبقرى، الإنسان المرهف، الذى كرّس جُل وقته، بعد رحيل أبيه، ليحمى حقوق أمه فيروز، ويحافظ، كذلك، على جلاله، وكلماته، ونوتاته الموسيقية، والأهم حب الناس لها، ومكانتها التى تزداد كل يوم. لقد كانوا يرونه شيوعيا، فغنى لهم «لست ملحدا.. ولست كافرا»، وكنت أراه أرستقراطيا حتى النخاع أبا عن جد، ولكنه كان مع الناس.. مع المظلومين.. مع الفقراء، ولم يكن بعيدا عن سيد درويش المصرى العبقرى الذى صاغ وجدد الموسيقى العربية فى مصر وجعلها للناس كافة يغنون، ويسعدون، ويهزمون الكآبة، ويرفضون أن يموتوا أحياء، بل كانوا يبحثون عن الحياة، وقد كان زياد صاحب فلسفة، ورؤية، وثقافة، ولذلك اختاره الموسيقيون العرب فى كل مكان من دون انتخاب، بالمبايعة، أميرا عليهم، وبلغة اللبنانيين التى ينتشر فيها الرؤساء «دولة الرئيس زياد الرحبانى». لقد كان يذكرنى بالشيخ إمام فى مصر، والموسيقيون يرون فيه مجددا، فهو يمزج الموسيقى الشرقية بالغربية، خاصة «الجاز» التى تستهوى الشباب، وقد علم المغنين كيف يرقصوان، ويفرحون على المسرح حتى نتخلص من الكآبة التى تصنعها الجماعات المتطرفة لمجتمعاتنا العربية حتى يقتلوها وهى حية، فأصبح صوتا للشعب، وخرج يغنى له كل اللبنانيين، فصاغ أغانى «يا زمان الطائفية، والحالة تعبانة يا ليلى، ويا بنت المعادنى، ومربى الدلال».. إلى آخره. وأخيرا، فن، وموسيقى الرحابنة سماوية، وزياد الثالث فيهم كان مجددا، فهو منوال وحده، بل هو زمن وحده.. قلوبنا مع الموسيقى العربية، ومع سيدة الغناء العربى (الأيقونة فيروز) فى هذا الرحيل المُدوى، ونقول لها «لقد أنجبتِ مبدعا، وفنانا أصيلا أعطى للموسيقى العربية أبعادا جديدة، بل جعلها تتنافس مع الموسيقى العالمية»، فتحية إلى روح زياد الرحبانى، وإلى والده عاصى، وشقيقه، وقلوبنا مع صاحبة الصوت الشجى القادم من السماء (فيروز).