مقالات الأهرام اليومى

أمطار الصيف لاتخيف‏!‏

أيا تكن الأهداف الإسرائيلية من العملية الأخيرة في قطاع غزة والتي أطلق عليها اسم أمطار الصيف‏,‏ فإنها لاتخيف‏,‏ فلقد جاءت هذه العملية بعد اجتياح عسكري جعل غزة سجنا كبيرا للفلسطينيين‏,‏ وأثبت فشل السياسة الإسرائيلية التي تركز علي الانسحاب الأحادي من غزة‏,‏ وشكل فصلا جديدا لمأساة شعب ظل عبر‏6‏ عقود يواجه التشرد والظلم بالثورة والمقاومة‏.‏ وقد وصل غرور القوة إلي مداه باعتقال الوزراء والنواب وضرب مقار الحكومة‏,‏ وتهديد ماتبقي من سلطة الشعب الفلسطيني‏.‏

إن التهديدات مستمرة باستخدام القوة في مواجهة شعب أعزل ومحاصر تحت سياط الاحتلال‏,‏ ويواجه قوي عسكرية تحميها وتدعمها بكل الوسائل والأساليب الولايات المتحدة الأمريكية‏,‏ القوة العظمي في عالم اليوم التي تمارس كل أشكال الضغط علي المنظمات الدولية والإقليمية لإسباغ الحماية والشرعية علي أسوأ احتلال للأرض واستغلال حقوق الشعب الفلسطيني‏.‏

والذي يجب أن تدركه إسرائيل بعد عملية الأنفاق الأخيرة وأسر الجندي الإسرائيلي أنها عملية تخضع لقواعد الأعمال العسكرية‏,‏ ولها كل المبررات الأخلاقية فهي ليست عملية انتحارية تستهدف المدنيين‏.‏ وإذا اعتبرناها خرقا لأطول هدنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين علي مدي‏18‏ شهرا‏,‏ فإنها سوف تصيب المسار السياسي بتأثيرات سلبية قد تصل إلي مستوي الخطيئة السياسية إذا لم تعالج بحكمة واعتدال من الطرفين‏.‏ فلقد أثبتت الأحداث الأخيرة لكل الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية علي السواء أنه لاسبيل إلي الحل إلا مائدة التفاوض‏,‏ ولامخرج إلا بالتوصل إلي الهدنة عبر وحدة الفصائل الفلسطينية‏.‏

 

إن الخطر لاينحصر في العملية الإسرائيلية وحدها ـ برغم عنفها ـ ولكنه يمتد أيضا في التشتت والاختلاف الفلسطيني‏,‏ والخلط بين ماهو سياسي وما هو مقاومة‏,‏ بين الرئيس الفلسطيني وحكومته‏,‏ بين فتح وحماس‏,‏ بين المصالح الدينية والسياسية والأيديولوجية‏..‏فكل أشكال العدوان الإسرائيلي تكشف عن بشاعة الاحتلال وعدم مشروعيته وتضعف لدي الضمير العربي والفلسطيني الأمل في السلام‏,‏ بغرض العودة إلي التخندق والتمسك بأبجديات الصراع القديمة‏,‏ ولقد أصبحت الحياة أمامهم خروجا من مجزرة إلي أخري تصيب المدنيين والنساء والشيوخ في عملية إبادة جماعية تقترب من التطهير العرقي والتهجير الجماعي‏,‏ إن لم تكن فعلا كذلك‏,‏ وإلا فما الذي يعنيه قصف الطائرات الأحياء المدنية وإزالة مساكن ومحطات كهرباء ومعابر؟

إن المحطة الراهنة فاصلة في الصراع‏,‏ والرؤية المصرية يجب أن تلقي احتراما من كل الأطراف‏.‏ فلا حل احاديا بين أطراف يرفض بعضها بعضا‏,‏ وإنما لابد أن يتم هذا الحل بالعودة إلي المسارات السياسية وهي واضحة‏.‏كما أن الأوضاع الراهنة أصبحت تفرض هدنة شاملة ملزمة للطرفين بوجود تدخل إقليمي وجهود دولية تضمن الإفراج عن الأسري من الطرفين‏,‏ وأن تكون تلك الهدنة جزءا من العملية السياسية التي بدأت منذ سنوات لتحقيق هدف إقامة الدولة الفلسطينية‏.‏

ولاشك في أن كل الأطراف سوف تستفيد من إنهاء العنف الذي يضع حدا لطلبات إسرائيل العقابية الجماعية التي توجهها ضد الشعب الفلسطيني‏,‏ وسيسمح للمفاوضات بالمضي قدما بعد أن أدركت إسرائيل أن فك الارتباط أحادي الجانب من غزة لم يجلب لها الهدف المنشود‏.‏

إننا ندرك صعوبات العملية السياسية ومشقة التفاوض مع إسرائيل‏,‏ ولكن تجاربنا الطويلة مع الصراع العربي ـ الإسرائيلي تعطينا مؤشرات علي قدرتنا علي الانتصار في عالم السياسة‏,‏ مادمنا نملك القدرة علي مقاومة غرور قوة لاتستند إلي شيء من الحق أو العدل‏.‏

osaraya@ahram.org.eg

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى