2022مقالات الأهرام اليومى

الشأن المصرى والعربى.. وزيارة بايدن!

الأثنين 27 من ذي القعدة 1443 هــ
العدد 49511
ما يحدث فى القاهرة لا تُخطئه عين؛ إنه رسالة تحمل معانىَ شاملة لقوة مصر فى منطقتها، وعالمها، واستعادتها عافيتها، وتأثيرها العالمى. الزيارات المتتابعة للقادة العرب الخليجيين، لمصر (السعودية، والبحرين، وقطر، والأردن) مؤشر مهم على ذلك، كما أنها تمهد إلى لقاء إستراتيجى، يحمل الكثير، سيحدث فى منتصف الشهر المقبل مع الرئيس الأمريكى جو بايدن فى جدة بالسعودية، والذى سوف يشمل ٩ دول عربية، قادة مجلس التعاون الخليجى الست (السعودية، والإمارات، والبحرين، والكويت، وقطر، وعُمان)، ومعهم (مصر، والعراق، والأردن)، فهو لقاء غير عادى فى ظل الحروب الدائرة إقليميا، وعالميا، والكوارث، والأوبئة المتنوعة. الزيارة الأمريكية تحمل فى طياتها مؤشرات، بل متغيرات مهمة، لكل دولة عربية، وللمنطقة بأكملها، ولأنها تتم فى وسط الأزمات العالمية، خاصة الطاقة، والسيولة المهمة فى الأمن عالميا، فهى تعيد الاعتبار للمنطقة العربية التى اهتزت حتى تصورنا أنها سقطت ولم تعد فى الحسابات العالمية، أو فى قياساتها المستقبلية. زيارة الرئيس الأمريكى جاءت وقد استمعنا منه، منذ عودته، أن له تقييما لمنطقتنا، ودولنا، يحمل فى طياته، على الأقل، ليس عدم الاحترام فقط، بل إننا جميعا كعرب محتاجون إليه أكثر من احتياجه إلينا، فيجب أن نسعى إليه، وهو لن يسعى إلينا!. الإدارة الأمريكية الراهنة- التى جاءت للحكم من معطف الرئيس الأمريكى الأسبق (أوباما)، الذى وقع اتفاقا مع إيران فى الشأن النووى ولم يتشاور، ويبحث مستقبل هذا الاتفاق فى أى من دولنا على الإطلاق- ترجمت هذه الرؤية المعيبة، ليس للقاهرة فقط، بل للدول العربية ككل، وكأننا «تحصيل حاصل»، فى ظل الهيمنة الأمريكية التى لا تراعى مصالحنا، أو حتى تحالفنا معها.. ومنذ سقوط الاتفاق فى الإدارة السابقة مع ترامب، ثم عودة المفاوضات فى فيينا، كنا بعيدين تماما عن هذه الاتفاقيات، فهم يسمعون لإسرائيل، ويتشاورون معها، ونحن نراقب من بعيد، ويبدو أن هذه المفاوضات متعثرة الآن. الاختراقات الأمريكية فى المنطقة كانت لها تأثيراتها الكبرى فى أهم بلدين عربيين (مصر والسعودية)، اللذين وقعا تحت وطأة التسلط ‫اليسارى الضخم، فبالنسبة لمصر كان الموجهين للبيت الأبيض، والخارجية الأمريكية، الإخوان، وبالنسبة للسعودية كان التدخل الأمريكى فى الشأن الداخلى للمملكة كبيرا، وغير مبرر على الإطلاق، إلا أنه كان يُستخدمه للتأثير على إضغاف الشأن العربى، ووضع العرب جميعا فى خانة الدفاع عن النفس، وعن سياساتهم طوال الوقت ككل.

مجرد إتمام الزيارة، وقدوم الرئيس الأمريكى إلى المنطقة العربية، هو نزول من فوق الشجرة العالية، والتعامل مع الواقع على الأرض، وأن تكون محطة بايدن الإستراتيجية أو الرئيسية فى جدة يلتقى فيها بالقادة العرب التسعة فى قمة واحدة، هو انتصار عربى مؤزر يجب أن نشعر تجاهه بالاحترام، والتقدير للسياسات العربية التى تعاملت مع الأخطاء الأمريكية بواقعية، وقوة احترمت مكانة العرب، بل اعتراف من الدولة العظمى بأن الشأن العربى كبير، ومُقدر. وعندما نكشف عن عورات الأخطاء الأمريكية يجب أن نشيد بأى تصحيح يحدث هناك، لأنه يمثل مراجعة جيدة، ومناسبة، وفهما حقيقيا للمتغيرات العربية، بل احتراما لسياستنا، وواقعيتها، بل قوتها، لكننا، فى الوقت نفسه، يجب أن نشير إلى أن الاجتماعات المتتابعة التى تتم فى القاهرة هى تجهيز احترافى مميز لهذه القمة حتى تحقق، وتأتى متوازنة مع المصالح، بل المكانة العربية، فهذه الاجتماعات حملت رؤية على مستوى عالٍ لهذه القمة المرتقبة، التى يجب أن تكون فى الاتجاهين، بأن نسمع الرؤى الأمريكية، واحتياجاتها فى المرحلة المقبلة، وفى الوقت نفسه تسمع الإدارة الأمريكية الرؤى العربية، واحتياجاتها، وأولوياتها فى المرحلة المقبلة.

لم تعد العلاقات الدولية بين الأمريكيين وشركائهم، أو حلفائهم، فى النظام الدولى، فى مرحلة الهيمنة المطلقة للسياسة الأمريكية، أو التسلط من الجانب الأمريكى، فقد أثبتت الأيام، والسياسات السابقة على هذه القمة، أن العرب أعدوا أنفسهم للمتغيرات القاسية التى ألمت بالنظام العالمى، وأن عندهم ما يقولونه، بل إنهم قادرون عليه، ولعلى هنا أشير إلى ما حدث فى قمة العلا بالسعودية، والنجاح الكبير الذى تحقق فى وأد الاختراق الإخوانى، والتركى لإحدى الشقيقات.

وعودة قطر إلى الصف العربى، وما تمثله من قوة للمنطقة، وإضعاف للطرف الإقليمى الذى يقلل من الشأن العربى- كان رسالة قوية إلى الجيران الإقليميين، سواء تركيا، أو إيران، أو إسرائيل، أن هناك عقلا إستراتيجيا يفكر، ويدير هذه المنطقة، وأنها لم تعد مستباحة كما كانت عقب التطورات السياسية التى حدثت فيما بعد ٢٠١١، ولعل المصريين الآن وهم يقتربون من الاحتفال بنصرهم فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وأنهم حجّموا التدخلات الخارجية التى تمثلت فى هز مصر من الداخل، باستخدام الإخوان – يدخلون هذه القمة فى موقع إستراتيجى مميز، استطاعوا من خلاله حماية ليبيا، بل وشمال إفريقيا كلها، من التدخلات الإخوانية المعيبة، التى تستهدف إسقاط الدول العربية بالتتابع، أو بالتداعى، وها هى المنطقة الآن متماسكة، ولا نقول بالكامل، ولكن، إلى حد ما، نستطيع أن نقول كلمتنا للأمريكيين، والأوروبيين معا، لحماية النظام العالمى، بل نستطيع أن نقف فى موقف متوازن، ودقيق، وحساس، لوقف الحرب الروسية – الأوكرانية. العرب كان لهم موقف متميز فى حماية الأمن الإقليمى، وأمن الطاقة، ومصر كان لها موقف متميز فى حماية منطقة شرق المتوسط، وتمت أخيرا اتفاقيات مع دول المنطقة، وتقسيم، ورسم الحدود الإقليمية، واستطاعت إيقاف التدخلات الخارجية لعدم استغلال، والاستفادة من الثروات البترولية، والغازية العربية من جانب دول إقليمية تعاملت بعدوانية مع مصر لإخراجها من هذه السوق النفطية الكبيرة.. واتفاقنا مع الاتحاد الأوروبى أخيرا يمثل علامة قوة فى هذا الاتجاه الصائب، والإستراتيجى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى