2018مقالات الأهرام اليومى

عين على مصر من جديد

الأثنين 28 من ربيع الثاني 1439 هــ
العدد 47887
لا تنتظروا الغد، بل اصنعوه. فمصر التى نعيشها الآن، تحاط بالمخاطر المختلفة من كل الاتجاهات، وهى مخاطر غير مسبوقة تجعلها تتريث، أو تنتظر، فكل ملفات القضايا الإقليمية مفتوحة على مصراعيها. وحدودها الجغرافية يسودها الاضطراب، فلم يسبق أن تعرضت لمثل هذا الاضطراب فى وقت واحد من الشمال والجنوب معاً. كما أن المخاطر الإقليمية والعالمية مفتوحة هى الأخري، والكل يضغط وينتظر نتائج الضغوط، أما الداخل فمازال يفور، ويتطلع إلى متغيرات سريعة، رغم أنه لم يرتب الأولويات حسب الأهمية. لكننا، ونحن، فى خضم هذه الحالة، علينا أن نرتب الأولويات، وأن تكون عيننا على مصر الوطن الذى يجب أن يستحق الاهتمام، وأن نقف معه ضد كل من يحاول أن يتدخل فى تغيير أولوياته وأهدافه، أو الحروب المفتعلة، أو التدخل فى شئونه الداخلية، فالإقليم مازال يتشكل، ويتعرض لحالة غير مسبوقة من الانهيار. وهناك مشروعات إقليمية متعددة للسيطرة على المنطقة بما فيها مصر، ولا تزال المنطقة تتعرض للاهتزاز والثورات والاضطرابات، وقد تدفعها إلى المجهول.

وقد أخذ المشروع الإيرانى حيزاً كبيراً من الاهتمام العربي، نظراً لأنه يتحرك على الأرض فى أكثر من عاصمة عربية، حتى فوجئ العالم ببدايات تحرك الشعب الإيرانى ليكون جزءاً من اللعبة أو الحكم والتأثير فى مجريات الأمور فى إيران، وفى البلاد التى يسيطر عليها القرار الإيراني، سواء فى العراق أو سوريا أو اليمن أو لبنان، وهى الدول الواقعة مباشرة تحت الهيمنة الإيرانية على اختلاف انتماءاتها. ومن الآن فصاعدا، لم يعد من يحكمون فى إيران يتحكمون فى القرار الداخلي، سواء فى بلادهم أو فى أوطاننا، ولن يكونوا وحدهم فى المشهد، فقد دخل الشارع الإيرانى على الخط. صحيح أن الاحتجاجات الإيرانية لم ولن تغير نظام الحكم الآن، مثلها مثل احتجاجات 2009، ولكن المتغير هذه المرة أن حكام طهران لن يصبحوا أحرارا، كما كانوا فى السابق، ولا شك أن شعوبنا العربية يجب أن تأخذ ما حدث ويحدث هناك، فى اعتبارها، وفى اهتمامها، ليس تدخلاً فى الشأن الداخلى لبلد إقليمى مهم بالنسبة لنا، ولكن لأنهم يتدخلون فى شئوننا يومياً، ولا يستأذنون أحداً!!

وهكذا تفعل تركيا، فتأخذ من قضايانا العربية مدخلاً واسعاً للتدخل، وخطورة الأتراك أنهم، وهم يبحثون عن السيطرة والتحكم، يوطنون قوى عديدة، وأخطرها كل الجماعات المسلحة بما فيها الدواعش والقاعدة، حتى الإخوان المسلمون، وأصبح تحركهم أوسع وأخطر من التداخلات الإيرانية، لأن هناك عينا عليها، ولأنها قوة طائفية شيعية توظف التناقض الطائفي، أما (تركيا) فتوظف التناقضات السياسية والشعارات الدينية والمتطرفة، وتتخفى وراء حماية الطائفة السنية، فى حين أنها تحالفت مع إيران فى سوريا، ولا يخفى على أحد أن الأتراك والإيرانيين يريدون تقسيم النفوذ فى هذا البلد العربى بينهما، وكل منهما يبنى جيشاً هناك، وأمريكا تبنى جيشا، وروسيا تبنى جيشا، فالوضع فى سوريا مأساة حقيقية، والآن تتحرك تركيا لتكون على الحدود المصرية عسكرياً، سواء فى ليبيا أو السودان. وهكذا تفعل بالقرب من الحدود السعودية فى البحر الأحمر، بعد أن سمح لها نظام الحكم فى السودان بالسيطرة على جزيرة سواكن بذريعة الاستثمار وترميم الآثار العثمانية. تركيا تستثمر أوضاع السودان الصعبة، وقد حطت برحالها فى هذه المنطقة الإستراتيجية، وما يحمله ذلك من إشارات بعودة الحاكم التركى إلى مقر الحاكم العثمانى السابق فى سواكن، ليقول للسعودية ومصر: إنه لاعب رئيسى فى سوريا والعراق، وله حصانان: إخوان فى مصر وإخوان السودان، وإنه أصبح قادراً على الوصول إلى أى نقطة فى المنطقة العربية، وفى القرن الإفريقي. وهكذا، فإن المشاريع الإقليمية تحاصر مصر والخليج، وإن كان التحالف المكون من الإقليمى مصر والسعودية والإمارات والبحرين ضد قطر قد حاصر التداخلات الخارجية فى البحرين، وجزئيا فى اليمن، ولكنه إلى الآن لم يحاصر التداخلات التركية الفجة فى المنطقة، والتى تهدد استقرارها.. كل ذلك يحدث حولنا وفى داخلنا، ومازالت التدخلات الإسرائيلية تقف حجر عثرة أمام تحريك قضية فلسطين، وجاءت قضية القدس بكل تداعياتها المخيفة على مستقبل المنطقة، فهزت الثقة فى الولايات المتحدة الأمريكية، لاعترافها الأحادى بالقدس عاصمة لإسرائيل، بما يعنى عدم قدرتها على التحرك السياسى للوصول إلى تسوية، أو ما عرف بصفقة القرن، لتمييزها عن القضايا الأخري، وبذلك دخلت القضية الفلسطينية إلى مربع التجميد مرة أخري، وأقول لكل الأصوات التى راحت تنفى صفقة القرن المرتقبة، فلتهدءوا قليلا، فالقضية عادت إلى مربعها الأسير إلى قلوبكم، مربع التجميد بلا حل أو حراك..

لدينا، كما نري، قضايا عديدة فى حاجة إلى حلول، ولكن يجب ألا ننسى معركة المياه مع إثيوبيا، فحتى لو وصلنا لحل معين فى طريقة ملء سد النهضة، فإن هذا سيكون حلا مؤقتا لمشكلة النهر الذى يحتاج إلى تعاون لزيادة إيراداته، ثم تحقيق موارد إضافية من المياه للبلاد.

وفى النهاية، هذا هو الاستعراض للقضايا الإقليمية الملحة التى تهدد أولوياتنا الداخلية. وعندما جاء التصريح الذى أطلقه الرئيس السيسى بأن مصر تتحرك لمحاصرة أزمة المياه بكل أبعادها، أدركت أن أولوياتنا أصبحت واضحة، وهى أن نبنى مشروعات، ونزيد إيرادات النهر، ونرشد فى الاستهلاك، فقد أصبحت قضية المياه فى مقدمة الأولويات، لأنها تعنى الحياة لمصر. ولكن يجب أن تكون أعيننا مفتوحة على الإرهاب والتيارات الدينية المتطرفة، وعلى القوى الإقليمية التى توظفها لتهديد استقرار وتطور مصر، وما عدا ذلك فأمور يسيرة، ونحن قادرون على حلها، وفك تناقضاتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى