حكمة «البريكس»..!

السبت 10 من صفر 1445 هــ
العدد 49936
نجحت قمة بريكس الـ«١٥»، التى عُقدت فى جوهانسبرج، فى تجاوز عقبتين، الأولى مواجهة طموحها فى عملة موحدة تجمع دولها، والخلافات، والصعوبات التى صاحبت هذا الهدف الكبير، والصعب فى الوقت نفسه، فهذا الاقتراح الوجيه مازال أمامه الكثير لمواجهة الدولار الذى مازال مهيمنا على المعاملات الدولية كافة، كما أن عملة موحدة تستلزم تقاربا اقتصاديا كليا غير ممكن، واتحادا مصرفيا، بل مصرفا مركزيا مشتركا صعبا جدا.
لقد كان اقتراحا صعبا، منذ البداية، تتبناه روسيا، والبرازيل، وترفضه الهند، وجنوب إفريقيا، وتقف الصين على الحياد، لأنها تدرك صعوبته، ووجدت هذه الدول ضالتها فى التوسع فى التجارة فيما بينها، مستخدمة عملاتها الوطنية بديلا عن الدولار الذى ارتفع بشكل حاد منذ العام الماضى، بعد رفع الاحتياطى الفيدرالى سعر الفائدة، مستفيدا من حرب روسيا وأوكرانيا، مما جعل الديون بالدولار، والكثير من الواردات أكثر تكلفة.
أما المعضلة الثانية التى نجحت «بريكس» فى مواجهتها، فقد كانت التوسع فى عائلتها بدلا من اقتصارها على خمس دول (الصين، والهند، والبرازيل، وجنوب إفريقيا، وروسيا) بضم ٦ دول جدد ستقوى المجموعة فى المستقبل هى «مصر، والسعودية، والإمارات، وإيران، وإثيوبيا، والأرجنتين» مع بداية العام المقبل، مستخدمة آلية استرشادية ذكية، ومبتكرة فى مسألة التوسع أرسلت إلى الشرق الأوسط رسالة قوية أنه مؤثر إلى حد كبير فى النظام العالمى، والاقتصادى، والسياسى القادم، وأنه سيلعب دورا رئيسيا فى استقرار المعاملات، ومواجهة الحروب، والبعد عن التجاذبات، وكان ذلك اعترافا مباشرا بأهمية هذه المنطقة من أكبر الاقتصادات فى العالم، والتى تمثلها الصين، والهند، فالأولى مازالت اللاعب المهيمن على البريكس، إذ يبلغ إنتاجها المحلى ضعف أعضاء المجموعة مجتمعين.
أعتقد أن «بريكس» أثبتت حكمتها العملية، والسياسية، والاقتصادية فى التحرك قدما فى هذه القمة، لأن فكرة العملة الموحدة كانت غير اقتصادية بقدر ما هى مشروع سياسى سيؤدى إلى استقطاب حاد فى النظام العالمى، كما أعتقد أن دول الشرق الأوسط المنضمة حديثا إلى هذا التجمع ستكون لاعبا جديرا بالتأثير فى العلاقات بين أمريكا، والصين، والهند، والبرازيل فى المستقبل القريب.