دستور المدينة.. وذكرى مولد الرسول «2»

الأثنين 13 من ربيع الأول 1446 هــ
العدد 50323
المسلمون اليوم فى حاجة إلى وضع تصور واقعى حضارى لدور الإسلام فى العالم، خاصة بعد حدوث كبوات عديدة، وظهور متطرفين، وإرهابيين، من كل حدب وصوب، يحاولون تشويه ديننا، وحتى نستطيع التعامل مع شركائنا فى كل مكان بمتغيراتهم القاسية، والصعبة، أو الدول الأخرى غربا وشرقا لنهزم التطرف، والإرهاب الذى سطا على جانب مهم فى عالمنا الإسلامى. أعتقد أن الموقف يتطلب تدخلا من العلماء بحثا عن إجابات لأسئلة كثيرة تقلق المسلمين فى كل ربوع القارات، والعالم، بعد أن ترك الفهم الخاطئ، والتصورات الإرهابية المتطرفة طابعهما على عالمنا كثيرا، ولعلنا نضيف أن انتشار الإسلام فى العالم كان محوره أن المسلمين الأوائل، منذ استقرارهم فى يثرب (المدينة)، وعلى مدى قرون لاحقة، لم يؤسسوا دولة يحكمها رجال دين، فالرهان كان دوما على دولة مدنية، بل إن الدستور النبوى هو دستور المواطنة، وهو ما توضحه بشكل جلى «صحيفة» المدينة (أول دستور مدنى فى التاريخ)، وهى الوثيقة الأولى التى تحقق المواطنة، بغض النظر عن الدين، والنسب، والعِرق، واللون، وكان نص «الصحيفة» أن محمدا وصحبه من أنصار، ومهاجرين، ويهود بنى عوف أمة واحدة، وأنتم أعلم بشئون دنياكم، فدولته هى للمواطن، ومحورها الناس، ولذلك فإن الرسالة المحمدية التى انطلقت من الغار وصلت إلى الكونية، وعليكم جميعا أن تتوقفوا أمام نبينا الذى بُعث فى الأربعين من عمره، واستمرت دعوته 23 عاما (13 عاما منها فى مكة و10 سنوات فى المدينة)، لتعرفوا أن الله أنزل دينه ليظهره على الدين كله، وينتشر، ويبقى إلى قيام الساعة، ولنتعمق فى إسلام الحاضر، والمستقبل. وأخيرا، نحن نحتاج لأن نقوى ثقتنا فى أنفسنا، وديننا، وقدرتنا الذاتية، والاستيعابية، ولا يمنعنا ذلك من أن نتحاور، ونأخذ ونعطى، بل يتوجب علينا أن نُبصر ما عند غيرنا من خير، وحق، وفضل، وسبق، وأن نمدحهم عليه، وننافسهم فيه، ونستعين بهم عليه، واثقين، فى الوقت نفسه، فى أحقية دين الإسلام، وشريعته، وأنه رحمة الله، وهداه، وعدله بين عباده، وأنه لذلك يعلو ولا يُعلى عليه.. وكل عام وحضراتكم جميعا بخير.