صادق ومحرم.. والاقتصاد

عُدت بذكرياتى الاقتصادية إلى بواكير حياتى الصحفية عندما فاجأنى رحيل «أيقونتين اقتصاديتين»، كما وصفهما بدقة حسن عبدالله، محافظ البنك المركزى، (حاتم صادق يناير ١٩٤١- يناير ٢٠٢٤ وجمال محرم مارس ١٩٥٠- يناير ٢٠٢٤)، فأدركت كما كنا بعيدين فى السنوات الماضية عن المخضرمين الكبار الذين جعلوا من الجهاز المصرفى، وللجنيه قوة اقتصادية لمصر.
إن الراحلين حاتم صادق وجمال محرم من القيادات التى استطاعت إنجاز ثورة اقتصادية هادئة، وعاقلة، والتى قادها البنك المركزى، برئاسة فاروق العقدة، فى ٢٠٠٢ و٢٠٠٩، حيث استقرت خلالها بنوكنا، وقويت أذرعها، لتكون جناحا مهما للوطن، والاقتصاد المصرى فى أوقات الأزمات الحادة التى مرت علينا.
لقد كنت أتساءل دائما فى سنوات ما بعد ٢٠١١ و٢٠١٣ (فترة الفوضى): ماذا لو لم تحدث هذه الثورة الهادئة فى كل مصارفنا؟.. والإجابة لكانت معاناة الناس أكثر، واهتزت مصر بعمق، لكن بنوكنا أصبحت عالمية، وتفوقت على كل البنوك الإقليمية فى ذلك الوقت. إننى أتذكر للراحل حاتم صادق أنه زميلنا، فقد عمل معنا فى مؤسسة «الأهرام» فى السبعينيات، وأسس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية الذى أصبح أيقونة زمانه، ورجاله هم نجوم الحدث، والفهم، والمعرفة فى زماننا الراهن، لكن حاتم ترك السياسة ليكسبه الاقتصاد قوة، واقتدارا، ويصبح من خِيرة رجال المال، والأعمال، ويجذب البنوك العالمية لمصر، فقد جذب البنك العربى، وبنك عودة ليعملا فى بلدنا، وكانت خبراته، وتواضعه محل تقدير، وإشادة لكل من عرفه، وتعامل معه، فقد اعتمد على العمل، والمعرفة يُعلِّمهُما لكل تلاميذه، وهو من أسرة عريقة، وانتسب بزواجه من ابنة الرئيس جمال عبدالناصرالكبرى (الدكتورة هدى عبدالناصر)، زميلته بكلية الاقتصاد، أما الراحل جمال محرم فهو دينامو البنوك، والأعمال فى مصر، ولا ننسى له أنه كان صوتنا القوى فى فترتى ضعفنا (ما بعد ٢٠١٠ و٢٠١٣) فى مجتمع الأعمال بأمريكا وأوروبا، شارحا قوة مجتمعنا الاقتصادى، وقدرتنا على تجاوز الأزمات الدقيقة.
رحم الله حاتم صادق وجمال محرم، وجزاهما عن مصر خير الجزاء.