حماس مصرى لفلسطين.. وليس لـ (حماس)

لحظة تاريخية عظيمة للقضية الفلسطينية، ومستقبل شعبها ودولتها المرتقبة،عندما تستطيع مصر ومؤسساتها السياسية والأمنية وضع حد لانفصال قطاع غزة عن الجسم الفلسطينى الذى طال اكثر من عشر سنوات.
لحظة تاريخية عندما يقف رئيس مصر فى الأمم المتحدة مذكراً بخارطة طريق لحل القضية الفلسطينية، وعودتها إلى مسار يضمن بقاءها واستمرارها بلا ضعف أو ترهل أو نسيان فى زحمة الأحداث والمتغيرات الكثيرة التى تشمل الإقليم، مطالبا بقيام دولة فلسطين، ويعرض على المجتمع الدولى بقواه الحية والكبرى السير فى هذا المسار الصعب، برغم ضعف العرب وقلة حيلتهم وظروفهم القاسية التى لا يستطيعون فيها الدفاع عن أراضى سوريا والعراق ولبنان، وحروبهم فى الخليج واليمن، وعلى الرغم من التدخلات القاسية فى الشئون الداخلية العربية من تركيا وإيران وإسرائيل وروسيا وأمريكا، وكل منهم له أجندة مختلفة عن الآخر، ولهم جميعا تطلعات ومآرب لم يعلنوا عنها فى الأراضى العربية.
لحظة تاريخية عظمى عندما تضع مصر كل طاقتها وأولوياتها وراء القضية الفلسطينية، برغم ظروفها الداخلية، وخروجها من أزمات كثيرة اقتربت من عقد من الزمان، استنزفت مواردها إلى حد كبير وأضعفت أوضاعها الاقتصادية والأمنية، وهى فى حرب ضروس ضد الإرهاب المقيت وجذوره المرعبة.
مصر بهذه السياسة لم تنتشل حركة حماس من أخطائها وجرائمها المتعددة، سواء ضد الشعب الفلسطينى أو ضد مصر أو ضد العرب، بتحالفاتها مع إيران وتركيا وقطر، ولو تتذكرون قليلا أن مصر لم تتدخل لإنقاذ حماس كمنظمة إخوانية، ولكن تدخلت لإنقاذ فلسطين وشعب فلسطين.
فعندما شنت إسرائيل حروبها الثلاث ضد غزة، كانت تستغل الوضع الشاذ الذى وضعت فيه حماس القطاع بالانفصال عن الضفة، وإعلان سلطة دينية هناك لصالح مشروعها الخاص ضد مستقبل فلسطين ككل والدولة التى تحت الاحتلال!!
مصر تفرق تماماً بين (غزة فلسطين) و(غزة حماس) فالشعب يجب ألا يدفع ثمن جرائم المنظمة الحمساوية وأخطاء قادتها، وقد وقفت مصر الرسمية والشعبية فى أعوام 2008و 2012 و 2014 مع الشعب الفلسطينى ضد الاعتداء الإسرائيلى، الذى لا يقبل أن يتهرب منه أى عربى، وفى مقدمتهم مصر، وطالبت بالتدخل الدولى وعقدت المؤتمرات المتتابعة لإنقاذ غزة، بل لإعادة تعميرها واستطاعت وقف العدوان بل خففت من الجرائم الإسرائيلية.
منظمة حماس بتركيبتها السياسية والدينية معقدة جدا، ولكن مصر تستطيع أن تعرف وتفرق بين المنظمة التى تغالب نفسها، ولا تستطيع كثيراً أن تفرق بين قناعاتها الدينية والإخوانية الضيقة ، وبين الصراع الممتد مع إسرائيل للحصول على الدولة الفلسطينية، وأن المنظمة لها أقنعة تستخدمها بين الحين والآخر، قناع أنها أخوانية وقناع آخر أنها فصيل فلسطينى يسعى لتحرر الشعب من الاحتلال القاسى الاستيطانى.
ونحن ندرك أن حماس والتنظيمات الإسلامية المختلفة قد أخرت إلى حد كبير القضية الفلسطينية، وأضرت بمستقبل الدولة العتيدة التى نتطلع إليها، وأعطت مراراً وتكراراً الذرائع لإسرائيل للاستفادة وتأخير دفع استحقاقات السلام وقيام الدولة.
ومن مصادفات التاريخ أننا ندفع ثمن ترويض التيارات الدينية وتعليمها الوطنية ودمجها فى المجتمع والدولة، فهذه التيارات نفسها استخدمت الديمقراطية وحقوق الإنسان فى صراع سياسى للوصول إلى السلطة فضربت الديمقراطية وأضعفت مجتمعاتنا عن اللحاق بالتقدم.
حماس يمكن أن تكون فى مأزق صعب دفعها إلى هذا الاتفاق، ولكن لا يجب تفويت الفرصة على الفلسطينيين، لأن استمرار الانقسام يعنى عدم القدرة على المضى فى مسار قيام الدولة المرتقبة، والمستفيد الوحيد من هذا الوضع هى إسرائيل وحدها.
فغياب المشاركة الشعبية وتسليم مقاليد الحرب والسلام فى القضية الفلسطينية للمنظمات وحدها سيؤخر القضية ومستقبل فلسطين. والفلسطينيون المعاصرون يجب أن يتغيروا ويتحركوا
صوب قيام الدولة وتقليل المزايدات حول قضيتهم حتى تنتصر، ويتعلموا من التحرك المصرى ويقارنوا بينه وبين التحرك السورى أو اللبنانى الذى وقع هو الآخر فريسة لحزب الله وإيران.
نحن أمام عدو صعب، يريد أن يقتنص ليس فلسطين وحدها، ولكن كل العرب وبلادهم، وإذا لم يتحرك العرب بدهاء وبدبلوماسية وسياسة، سوف يخسرون وتضيع حقوقهم، ويعودون دائما إلى المربع الأول، مربع الهزيمة ، ولا عزاء للمزايدين وتجار القضايا والمنافقين.