القدس

رد بليغ وعقلانى، أرسلته قمة العرب الأخيرة فى «الظهران» من قلب الخليج بالسعودية إلى الرئيس الأمريكى ترامب، وإلى زعماء أوروبا وإلى شعوب العالم، بإطلاق اسم القدس على قمتهم، التى تستمر تتردد على مدار العام حتى قمة تونس المقبلة.
وهذا الرد يقول للأمريكيين والأوروبيين، الصقور قبل الحمائم: إن العرب لن يفرطوا فى القدس الشرقية عاصمة لفلسطين السليبة والعتيدة، عروس عروبتنا ومصدر فخرنا، وإن العرب لن يقبلوا أى اتفاقيات سلام أو صفقات أو تعاون إقليمى أو استقرار فى ظل غياب القدس.
الرسالة الواضحة، والرد البليغ على ما أعلنه الرئيس الأمريكى، باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقله سفارة بلاده إليها، ترجمه رئيس القمة الملك سلمان بن عبد العزيز بأن قمتنا وسياستنا المقبلة، عنوانها القدس لا نقايض عليها ولا ننساها.
الرد أسقط ما يتردد عن صفقة للقرن تكون ضحيتها القدس العربية، وإذا كان العالم يحتاج للعرب، كما أن العرب يحتاجون للعالم، فإن الشروط الموضوعية لهذه الحاجة وبهذه السياسة تقول: إن العرب لا يمكنهم أن يسقطوا القدس من سياساتهم فى أية مرحلة من تاريخهم.
وإذا كنا نتغير ونتكيف ونمد أيدينا للتعاون مع الجميع رغبة فى المشاركة، فيجب أن تعرفوا أولوياتنا وحاجتنا وظروفنا، وأن تحترموا مقدساتنا وأراضينا والقدس فى المقدمة منها، وستظل فى المقدمة، بل هى عنوان لحركتنا وسياستنا المقبلة.
أحسنت القمة العربية أن قالتها بلا مواربة فى وجه القوة العظمى وصقورها، ولرئيسها ترامب، الذى جعل أول زيارة له إلى بلادنا، وأول لقاء له مع زعمائنا فى الرياض، بحثا عن التعاون بين الغرب والشرق، وأعلن شروطه، وشرحنا له التزاماتنا وأوضاعنا، ومع ذلك ذهب إلى إسرائيل، واعتمر فى القدس دون مراعاة لمشاعرنا ومقدساتنا.
وهذا لا يمنع من المواجهة والشرح، بأن هذا ما لا نقدر عليه، وليس منا من يستطيع قبوله، وتلك حقيقة ترجمتها القمة فى عنوانها الرئيسى، كما ترجم رئيس القمة قوة مقدساتنا، وحل المشكلة المادية التى تواجهها أوقاف القدس، وذلك بمساعدة الفلسطينيين بمبلغ عاجل 150 مليون دولار للمساجد والأوقاف، و50 مليون دولار للاجئين، بعد أن أوقفت أمريكا وغيرها مساعداتها “للأونروا” منظمة غوث اللاجئين.
الرسالة ودعم الأوقاف الإسلامية، ترجمة صريحة وقوية للعرب، أين يقفون، وكيف سيتصرفون؟
وإذا كان العالم يمر بظروف صعبة ودقيقة ومتغيرات متلاحقة، وفى حاجة لنا نحن – العرب – لنكون معه لنواجه الإرهاب والتطرف بكل أشكاله، ونضع حدا لما يمر به هذا العالم من سوء فى الأحوال والاضطرابات الثقافية والاجتماعية، التى أوصلت إلى طرق مسدودة فى السياسة وحروب باردة جديدة فى الاقتصاد والتجارة، فإن العرب لا يستطيعون التحرك بقوة مع هذا العالم، وهم يرون أمامهم القوى العظمى تستهين بمقدساتهم.
قدسنا العزيز، رسالة محبة جديدة تقول بوضوح إننا لن نكون عرباً من دون القدس، وأن القدس لكل الأديان، للمسلمين والمسيحيين واليهود، والعرب هم المؤهلون للإشراف على القدس، أرض المقدسات، لأنهم حماة الأديان، وديننا يحترم كل الأديان، أولها الدين اليهودى والمسيحى، فمن باب أولى، إذا كنا نتطلع إلى عالم جديد نحترم فيه الأديان السماوية، أن تكون القدس العربية عاصمة لفلسطين التى تحتضن الإسلام والمسيحية واليهودية منذ فجر التاريخ وبزوغ الأديان.
إن مصالحة تاريخية مع إسرائيل دون احترام المدينة الإسلامية المقدسة، ودون احترام المسلمين وتاريخهم، ستفتح أبواب جهنم فى المستقبل لكل المتطرفين ليدخلوا، منها وتعيد بعث الوجه القبيح للإرهاب والتطرف.
المشهد العربى الراهن أرسل الرسالة البليغة لكل أصحاب العقول فى عالمنا، ويجب أن يلتقطوها، إذا كانوا قادرين على بناء عالم جديد، يسود فيه الحب والوئام بين أصحاب الأديان الإبراهيمية الثلاثة.
لن نتكلم عن الحقوق التاريخية وهى ثابتة ولا تحتاج لأى إضافة، ولكن نتكلم عن العقل والفهم، وكيف نفتح أمام الأجيال القادمة كل أساليب العمل والحياة المشتركة، حيث يتقابل فيها كل المتدينين فى عالمنا، لنصنع عالما جديدا يحترم فيه المسلم اليهودى والمسيحى، ويحترم فيه اليهودى المسيحى والمسلم، الذى عاش فى الحقبة التاريخية 1850 قبل الميلاد فى المدينة القديمة، والتى تحتوى على المعالم الدينية العظمى للإسلام والمسيحية (المسجد الأقصى وكنيسة القيامة)، لا يمكن إلا أن تكون عربية خالصة.
ولنفكر فى توحيد المدينة القديمة والجديدة بشكل يحمى سيادة فلسطين، ويضمن لليهود حرية الحركة والتعاون مع المسلمين والمسيحيين فى المدينة المقدسة للجميع.
المدينة ذات التاريخ العريق يمكن أن تكون طريق السلام، وليس طريق الصراع والحرب، إذا سلم الجميع باحترام كل الأديان فيها، وأوقفوا الصراع وتعاونوا فى تقديس المعتقدات لتكون طريقا للسلام، وليس طريقا أو ممرا للحرب.