مقالات الأهرام العربى

أول الكلام القوة ليست نووية فقط

وسط رغبة العرب وسعيهم المتواصل إلى عقد قمة، للتوصل إلى رد عربى يحصل على الاتفاق العام، يتضمن رؤية مشتركة لكيفية التعامل مع أخطر قضاياهم المستقبلية.. وهى محور علاقاتهم مع إسرائيل، أو ما نسميه السلام العادل بأشكاله المختلفة.. أو اتفاقيات سلام أيا كان مضمونها، تحكم مسار العلاقات العربية ـ الإسرائيلية فى الوقت الراهن أو مستقبلا، استكمالا لما بدأته مصر والأردن والسلطة الفلسطينية.

وسط كل هذه الأحداث، يحدث التشتت العربى، وتظهر خلافات ومباحثات محمومة عن شكل القمة ومكانها، وتدور كلها خلال اجتماعات ثنائية وزيارات على مستوى القمة، تبادل مبعوثين ووزراء خارجية وسفراء يتحدثون ، وتصريحات متناقضة عن التطبيع، وهدف القمة، وبرزت خلافات فى وجهات النظر بين المسارات المختلفة، وتركزت فى خلاف سورى ـ أردنى انعكس فى تصريحات المسئولين.. كل ذلك بينما الرأى العام العربى مختلف، ويتطلع إلى ما يحدث فى آسيا، يراقب القنبلة الباكستانية، ردا على القنبلة الهندية، ومنشغل بالقدرة النووية، والبعض يحثه لكى يندفع نحو السباق المحموم، وتبنى التوجهات الآسيوية بالردع النووى، بحثا عن الردع العربى، والمفكرون العرب يحثون شعوبهم ، مذكرين بشجاعة الباكستانيين، وكأن القنبلة الجديدة قلبت الموازين، ونقلت باكستان والهند ومجتمعاتهما إلى وضع اقتصادى وسياسى أفضل فى الميزان العالمى، وتلك حقيقة مغلوطة تجرى وراء الأوهام. وسباق التسلح قد يغنى عن إصلاح اقتصادى واجتماعى وسياسى حقيقى لشعوب تلك المنطقة، ويحقق مصالحها الحقيقية فى صراع عالمى محموم.

حدث الخلاف العربى، ولم يحدث الاتفاق على القمة، فما بالنا ونحن نبحث عن رد عربى يقف ضد عربدة اليمين المتطرف، الذى يقوده نيتانياهو، ويجد »ولعا« أمريكيا وتهافتاً من السياسيين نحو تأييد وتبنى توجهات نيتانياهو، التى تنادى بضم الأراضى المحتلة بأى ثمن.. حتى لو كان بضرب السلام المرتقب. وهذا الخلاف هو أخشى ما يجب أن نخشاه فى الوقت الراهن، فهو هدف اليمين المتطرف لكى ينمو وينتعش، ويجذب فى أقدامه اليمين المتطرف العربى، وهو لا يقل ضراوة وشراسة عنه. وآمال اليمين المتطرف هنا وهناك واحدة رغم اختلاف توجهاتهم وعدائهم المشترك.. هذا اليمين لن يرضيه أى سلام حتى ولو كان عادلا.. فما بالكم فيما يحدث الآن.. فهذا التيار هدفه إشعال المعارك.. وإطلاق النيران.. والعودة إلى مناخ العداء التقليدى والحرب الحقيقية أو أقلها الباردة.

وبالرغم من لغة التشاؤم التى تسود الآن المناخ الإقليمى، واليأس من السلام.. وترقب عودة المنطقة إلى التوتر وانطلاق شرارة السباق إلى التسلح، فإننا يجب أن نركز على أن اتفاق العرب داخل قمة على شكل التعامل المستقبلى مع إسرائيل، يشكل للمجتمع الدولى قوة ردع قد تفوق شرارة امتلاك أسلحة نووية أو التصفيق لقنبلة باكستانية أو هندية، أو حتى إيرانية، مصحوبة بكلمة إسلامية..

العرب عليهم دخول العصر الجديد.. بلغة جديدة واقعية ومكاشفة، وبصراحة بدون خوف، فهم يملكون قدرات على التأثير على المسار العالمى »بالاتفاق«، وليس »بالاختلاف« وبلغة المصالح المشتركة والمستقبل الواحد، والتعامل مع إسرائيل والولايات المتحدة بمنطق العدالة والسعى  إلى السلام.. وعلينا كعرب أن نخرج من دوامة من يدفعنا إلى الخوف من المستقبل ويجرنا إلى سباق لا يجب أن ندخله، سوف نهزم إسرائيل واليمين بامتلاك قنبلة المستقبل، وهى ليست نووية، ولا يستطيع أن يطلقها إلا مجنون، لأنها قنبلة تصيب وتقتل من يطلقها، ومن يجربها، ويسعى إليها ليس إلا المنتحرون، ونحن لسنا منتحرين، ونسعى إلى بناء مستقبل عربى ـ للمنطقة ـ جديد ومختلف، وهذا يتحقق بالتعاون وإطلاق أجندة جديدة للاتفاق، وتحقيق الحلم بهزيمة التخلف، والمواجهة الحقيقية القائمة على المنطق والحوار العقلانى الذى يحمى الحقوق، ولايدفع إلى مواجهات خاسرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى