مقالات الأهرام العربى

لن نيأس من السلام ولن يستولى المتطرفون على المنطقة

بالرغم من الشعور الذى يسيطر على معظم العرب، بخاصة المراقبون لتطورات الصراع السلمى العربى الإسرائيلى فى مراحله الراهنة بالتشاؤم والخوف بما ينذر به المستقبل القريب بانهيار مرتقب.. فإن الاجتماع الأخير للرئيس الأمريكى كلينتون مع كلا من الرئيس الفلسطينى عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو.. استحوذ على الاهتمام انتظارا أو لنقل للتحديد.. تمنى العرب أن يشهدوا موقفا حازما من الأمريكيين اتجاه المماطلات الإسرائيلية لتنفيذ التزاماتها التعاقدية مع الجانب الفلسطينى، وهو الحد الأدنى لاستمرار العملية السلمية بين العرب والإسرائيليين.. بعد تجميد المفاضوات على الجانب السورى واللبنانى.. وهكذا فإننا نجد أن العجلة السلمية تأخذ مسارها إلى الجمود والتوقف النهائى.. وبدلا من أن تشهد موقفا أمريكيا، كان المشهد أن كلينتون يواجه مأزقا شديدا قد يودى بمستقبله السياسى على أهون الأسباب، أطلقوا عليه »التحرش الجنسى«، ولعل الصراحة تكشف أنهم جميعا قرروا استمرار الرئيس مجمدا أو تم تهميشه لنهاية فترة حكمه، وهكذا كشف الاجتماع الأخير للقضية الفلسطينية ليس عن دور أمريكى منتظرا، لكن عن نهاية غير متوقعة لهذا الدور، وخرج نيتانياهو مزهوا بأنه انتصر، ولم نعرف على من؟

هل انتصر على كلينتون وأنهى دوره فى الشرق الأوسط.. أم أطلق النار على السلام المرتقب كما وصف أبوعمار.. على أية حال.. فإن انتصار نيتانياهو.. هو انتصار زائف، وإذا كان قد انتصر.. فهو حقق انتصارا يرضى غروره فقط، أى أنه انتصر على نيتانياهو نفسه.. وحقق ما يريده هو تجميد العملية السلمية إلى أجل غير مسمى، أو لنقل بصراحة فقد حقق برنامجه الانتخابى وهزم كل أطروحات السلام، وآمال التغيير فى أصعب مناطق عالمنا المعاصر، وأحلام التعايش التاريخى بين العرب والإسرائيليين فىمنطقة الشرق الأوسط.. وهل من الممكن فى ضوء هذه المتغيرات أو الحقائق البارزة والتطورات الراهنة زن نقل إن كل من حلم بالاستقرار فى الشرق الأوسط أو عمل من أجل السلام لشعوب المنطقة.. قد خفقت أحلامهم وتبددت أمام حماقات التيارات المتطرفة التى استولت على السلطة فى تل أبيب، إن المتشائمين بمستقبل العملية السلمية والرافضين لفكرة التعايش و الاستقرار والأمن الحقيقى للشعوب فى المنطقة قد أصابها الفشل، ولا سبيل لقيامها مرة أخرى.

إن الموقف الراهن يشير إلى أن التطرف والتعصب سيسود فى منطقتنا، وأننا أصبحنا جميعا فى حاجة ماسة لكى نستدعى تطرفا بتطرف لكى يتعامل مع مغالاة المتعصبين اليهود، وأن الراية القادمة للنضال سوف تنتقل إلى أيدمختلفة.. قد تكون حماس فى فلسطين، أو إيران فى الشرق الأوسط، كما طرح الرئيس السابق المعتدل رافسنجانى فىخطابه الإخير يوم الجمعة الأخيرة من رمضان فى يوم القدس أمام أكثر من مليون إيرانى فى العاصمة طهران..

وأصبح السؤال الصعب الآن عن مستقبل السلام فى الشرق الأوسط.. هل يقتل على أيدى نيتانياهو ـ رئيس الوزراء ـ الذى أفقده تعصبه الرؤية الصائبة ودفعته الحماقة وغرور القوة لقتل آمال السلام التى نبتت فى صدور الشعوب العربية، خاصة الشعب الفلسطينى.. كما ظهرت قلوب وعقول كثير من اليهود والإسرائيليين، أو يقتل هذا السلام الصعب بواسطة الضعف الأمريكى وعدم قدرة الحاكم والرئيس على أتخاذ القرار أو دفع الحكومة الإسرائيلية اتجاه تصحيح الأوضاع والسير فى اتجاه الاستقرار والأمن الحقيقى للشعوب.

وإن كنت من غير المتفائلين أو المتشائمين، لكنى أعتقد أن الحكم النهائى لمستقبل منطقتنا لن يؤول إلى أيدى المتطرفين أو المتعصبين الدينيين من الجانبين العربى والإسرائيلى أو إلى الضعف الأمريكى.

فالمصالح العليا للنظام العالمى الجديد.. لن تسمح بانهيار العملية السلمية أو أن يسود التطرف والفوضى وعمليات القتل والإرهاب فى أجواء الشرق الأوسط، وبالتالى  فإن مقاليد الأمور لن تفلت وتتجه إلى عالم غير مستقر.. ولأن الشرق الأوسط بما يملك من مخزون إنسانى ورؤية مستنيرة كامنة داخل شعوبه سوف تهزم التطرف بكل أشكاله، وتتجه إلى إقامة نظام يحمى مصالح الجميع ويحقق العدالة والاستقرار لشعوب الشرق الأوسط بعد طول انتظار.

وإذا كان الوضع الحالى للولايات المتحدة لا يسمح لها بدور أكبر للعمل كوسيط حقيقى وفعال، فإن منطقتنا مليئة بكثير من الحكماء والعقلاء القادرين على التعاون المشترك للخروج من مأزق السلام الراهن.. كما أننا لن نعدم المعاونة الأوروبية أو حتى اليابانية أو تتعاون الأنظمة المختلفة، فقد تأتى المباريات من دول صغيرة، لكنها واعية لمستقبل العالم، كما جاءت من أوسلو فى مرحلة صعبة ووقت دقيق.

وبالرغم من نغمة اليأس والتشاؤم السائدة.. فإننى أعتقد أن السلام قادم لمنطقتنا، وسوف تفرضه حقائق ومتغيرات كثيرة.. فالإسرائيليون لن يتحملوا ولن يستطيعوا العيش فى الشرق الأوسط إذا ضاعت أو تبددت أعلام السلام التى انتعشت فى السنوات الأخيرة.. وأن عقلاءهم وهم كثيرون يعرفون ذلك، وسوف يتدخلون فى الوقت المناسب لكبح جماح نيتانياهو وكسر غروره الذى يضر إسرائيل ومستقبلها قبل أن يقتل آمال الفلسطينيين ومستقبل دولتهم..

والوقت الراهن حساس والصورة متغيرة.. والمستقبل يستدعى تغييرا سريعا ومبادرات جديدة، وثقوا أنها ستظهر قريبا..

والدولة الفلسطينية قادمة ولن يستطيع نيتانياهو أن يغير شيئا، وسوف يستسلم للواقع الجديد قريبا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى