مقالات الأهرام العربى

هل يستجيب عرفات؟

بعد أن سكتت ولو مؤقتا نغمة شن حرب جديدة فى الشرق الأوسط، وانتقلت أزمة العراق إلى الزاوية الجانبية من الأحداث فى منطقتنا الملتهبة.. عادت إلى بؤرة الاهتمام القضية الرئيسية الحقيقية، وهى مستقبل السلام العربى الإسرائيلى.. وإذا كانت قاطرة السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية قد تجمدت فى ظل نيتانياهو، فإنه من غير المنطقى أن نلوم الرئيس عرفات على التشاؤم الذى أصبح يغلف حديثه رغم أنه كان دوما زعيما مجددا وقويا وقادرا على التحمل ولملمة شتات الموقف الفلسطينى، وحماية مؤسساته من التفكك أو الوهن، أو أن تصاب باليأس والشلل فتسقط وتنزوى، وهذا تماما ما يسعى إليه يمين إسرائيل المتشدد وحكومته الراهنة.. ولن يستطيع نيتانياهو أن يتجمل بدعوته الرئيس عرفات للتفاؤل..

دون أن يقدم شىئا حقيقىا أو يتحرك لتنفيذ التزاماته والاتفاقات التى وقعتها حكومته الحالية أو الحكومات السابقة.. وبالرغم من أن دعوة نيتانياهو لعرفات بالتفاؤل ليس لها مبررات واقعية.. من واقع حال السياسة الراهنة.. والجمود الأمريكى، فإننا ربما نشارك فقط فى هذه الدعوة.. لأن  تفاؤل  عرفات بمستقبل السلام يهمنا، ولأن قائدا مثل عرفات سعى للسلام وخطى خطوات نحو تأسيس منظمات ومؤسسات، وخلق بنية أساسية تؤهل لقيام الدولة وتساعد فى تحقيق حلم السيادة الفلسطينية على الأرض، بعد صراع دام امتد لنصف قرن ـ

يجب أن تكون قياساته على المستقبل البعيد وليس المنظور فقط.. فإذا كانت صورة اليوم تبدو قاتمة ـ فهى صورة مصنوعة بأيدى أعداء السلام وكارهى بناء مستقبل حقيقى أفضل لشعوب المنطقة.. وفضلا عن أن هذه الصورة القاتمة غير حقيقية وتقف ضد حركة الشعوب، فإن تغييرها سيتم سريعا، ولعل فشل نيتانياهو فى تغيير رئيس الدولة عيزرا فايتسمان، وتظاهر عدد من الضباط العاملين فى الجيش الإسرائيلى، يكشف جزئيا عن تململ الشارع الإسرائيلى، ورغبته فى التغيير والعودة إلى سياسة الحكمة والاتزان، ولكننا نقف مع دعوة الرئيس الفلسطينى إلى موقف عربى موحد يتعامل مع حقائق الواقع العربى ويخطط لمستقبل العرب، ويضع تصورا لكيفية الخروج من الأزمات المتلاحقة التى تشدنا إلى عصر الصراع وتبديد الموارد والإمكانات. فى الوقت الذى يسعى العالم من حولنا إلى تغيير واقعه، وبناء مستقبل مشرق للشعوب بالمصالحات والسلام، والشعوب العربية تجد من يجرها ويجذبها بشدة إلى بؤرة الصراع والتشتت والضياع..

ونرى أنه ليس أمام عرفات إلا أن يواصل سياسته فى بناء وتقوية وتعضيد المؤسسات الفلسطينية، وجذب المستثمرين ورجال الأعمال، وبناء اقتصاد حقيقى قوى ومزدهر على أرض الواقع، وبناء علاقات سياسية خارجية قوية مع العالم الخارجى بدوله ومؤسساته، ويثق تماما أن الصلابة والصبر ستصنع الدولة والسيادة مهما فعل اليمين الإسرائيلى.. الذى يجذبنا بقوة نحو عصور صراع انتهت وعفا عليها الزمن..

ولعل الأهم بالنسبة لعرفات حاليا، هو بناء جسور الثقة بين الشعب الفلسطينى والحوار المشترك بين منظماته وقياداته، وأن يخرج بسرعة من الفخ الذى ينصب له، وهو أن يصبح ديكتاتورا، أو الرجل الأوحد للدولة الفلسطينىة المقبلة، على أن يبنى المؤسسات ويقيم الحوار، ويخلق التفاعل، وأن يضع التاريخ نصب أعينه، وسوف يدخله كزعيم نادر، كافح أقوى الإمبراطوريات المعاصرة بما تملكه من إمكانات مادية ونفوذ سياسى وقوة عسكرية، وحصل على دولة ديمقراطية ـ قد تكون النقطة التى يشع منها مستقبل كل الشعوب العربية نحو النظام الديمقراطى.. هل يستجيب عرفات؟ مع أنه يقدر؟ المستقبل يحدثنى.. أنه سيفعل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى