مقالات الأهرام العربى

أزمة الدويمة الخطاب السياسى والخطاب الإعلامى

من الطبيعي في عالمنا الراهن أن تتفجر أزمات، وتطفو علي السطح مشاكل، سواء كانت كامنة، وتحتاج لمفجر، أو مفتعلة في محاولة لإلهاب الخيال، وعندما تفجرت أزمة جزيرة الدويمة بين السعودية واليمن، وتبادل فيها الطرفان النيران، وسقط الضحايا، حدث تخوف عربي.. من عودة روح العداء، التي سادت منطقتنا عقب حرب الخليج، واستمرارية مناخ عدم الثقة بين الأطراف العربية.. الذي يعوق طموحاتنا في أن يسود مناخ جديد، يعكس الثقة ويبشر بالتعاون المشترك بين الحكومات والشعوب العربية، لتعويض ما فات من فرص، ضاعت في صراعات وهمية، وعداء ومنافسات بين شعوبها، في وقت هي أحوج ما تكون فيه للتعاون لمواجهة تحديات وصعوبات ومنافسات قادمة من الخارج لا تستهدف الشعوب فقط ولكن الهوية العربية نفسها.. تسعي لاقتلاعها وذوبانها في عالم جديد، تدعي أنه الأحدث، والأكثر تطورا ونموا.

وسط في هذه الظروف، والانتظار العربي لمناخ مختلف، حدث سقوط الضحايا في خلاف حدودي، وكانت الظاهرة غير المنتظرة.. هي معالجة الخطاب الإعلامي العربي  في الصحف والمحطات الفضائية المنتشرة لهذه الأزمة ، فبدلا من أن تستشعر خطر انجرار بلدين عربيين عزيزين إلي صراع حدودي لا طائل من ورائه.. وفي وقت نسعي فيه جميعا إلي تكامل عربي، وتعاون في تعمير الحدود المشتركة، التي تحتاج إلي جهد الجميع لتعميرها بدلا من تركها أطلالا وأسلاكا شائكة تفصل ما بين الشعوب والأراضي، لنحولها إلي نقاط تعمير و حدود مشتركة للقاء والتعاون، بدلا من العداء و الانفصال، هذا الخطاب الإعلامي تحول إلي  أسلحة إضافية تغذي نيران الحقد والصراع الإقليمي بدلا من إعمال دورها الحقيقي في لم الشمل، ونبذ ورفض عناصر التنابذ و الصراع، كانت صورة الإعلام تدعو إلي اليأس والتشاؤم،

لكن ما خفف الصورة وأعاد الهدوء إلي الأذهان، هو التعامل الرسمي مع هذه الأزمة الطارئة، متمثلا في خطاب الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، الذي كان حريصا في عباراته المحددة ـ إلي  أقصي الحدود ـ علي أن يعكس رؤية دقيقة وشاملة لمستقبل المنطقة، وكانت سرعة الرد السعودي هي الأخري بارزة في المؤتمر الصحفي الذي عقده الأمير نايف وزير الداخلية والمسئول عن الحدود، كان هو الآخر علي نفس مستوي المسئولية، فكانت عباراته دقيقة استهدفت الأزمة، باعتبارها حادثا حدوديا لن يؤثر علي سيرا لمفاوضات الحدودية بين الرياض وصنعاء، وشرح وزير الداخلية بتفاصيل ومعلومات وفيرة ـ الأحداث الحدودية.

لكنه شدد علي ثوابت السياسة السعودية وإصرار الملك فهد والأمير عبدالله ، والأمير سلطان، والشعب السعودي علي التأكيد علي  أن البلدين السعودية واليمن شقيقان وجاران، ولابد أن يتفاهما ويصلا إلي كل الأمور بود وتقدير المصالح المشتركة.

وظهر حرص الرئيس اليمني والأمير نايف في حديثيهما للشعبين وللشعوب العربية.. علي أنهما سيفوتان الفرصة علي كل صائد في الماء العكر وعلي الجهات الأجنبية الساعية لاستثمار الخلافات العربية.

وكانت زيارة عبد القادر باجمال ـ وزير الخارجية اليمني ومباحثاته مع نظيره السعودي الأمير سعود الفيصل ولقاؤه مع الأمير عبدالله ولي العهد والأمير سلطان ـ النائب الثاني وزير الدفاع ـ ترجمة صريحة ومباشرة لرغبة البلدين في احتواء الخلافات.. وتهيئة الأجواء الملائمة لمباشرة عودة ترسيم الحدود، وظهرت جدية الحكومة السعودية في احتواء الأزمة عمليا أثناء زيارة الوزير اليمني باجمال إلي السعودية في رفض الأمير سعود الفيصل الدخول في مناقشات إعلامية للرد علي وزير الداخلية اليمني حسين عرب حول اختراقات الحدود.

وفي زيارة سريعة إلي جدة التقيت مع وزير الإعلام فؤاد عبد السلام الفارسي ـ وهو وزير هاديء متزن ويجري تغييرات كبيرة ومهمة لتطوير الإعلام السعودي ولكن بهدوء وحكمة تكشف عن خبرة إعلامية وفهم سياسي عميق فشرح لي تعامل بلاده إعلاميا مع الحادث الحدودي علي اليمن ـ فقال إننا نعي أن لنا حدودا واسعة كبيرة مع اليمن، والخلافات واردة، ولكن طريقة الحل يجب أن تكون عبر طاولات المفاوضات لا عبر الميكروفونات أو الصحف، والحلول تحتاج ـ دائما ـ إلي صبر وتصبر..فالسعودية سجلها في حل المشاكل الحدودية مشرف جدا.. فقد كانت لنا مشاكل حدودية مع أشقائنا في عمان والكويت والعراق والأردن وحلت جميعا.. وتوصلنا عبر القنوات الطبيعية إلي ترسيم للحدود، وأهم ما نسعي إليه هو أن تنحصر المشكلة فيما نجري التفاوض حوله.. وهناك رغبة وجدية سعودية في التوصل إلي حل لمشاكل وخلافات الحدود مع اليمن، كما أوضح الأمير نايف أخيرا، وكما سبق أكد خادم الحرمين والأمير عبدالله.. والأمير سلطان.

وسألته هل هناك إمكانية ألا تتكرر الحوادث الحدودية، وما تخلفه من ضحايا؟.. فأوضح أن هناك لجنة عليا برئاسة رئيسي الأركان في البلدين، مُخوّلة لبحث هذا الوضع، ومن جانبنا فإننا نود ألا تتكرر هذه الحادثة.

وقال د. الفارسي إن الإعلام العربي عليه دور كبير في احتواء الخلافات العربية، بتركيزه علي القواسم المشتركة، وألا يلهث وراء ما تبثه المحطات الأجنبية ـ التي تستهدف استقرارنا الداخلي ـ دون انتظار لما يبثه الإعلام الوطني.

وصافحني مودعا.. وأنا أشعر بتفاؤل كبير لمستقبل الإعلام العربي، وأنه يشهد صحوة كبري خاصة ما يصدر عن الإعلام المصري والسوري والتونسي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى