العرب وقفة موضوعية من الأزمة العراقية؟

إذا ضرب العراق بواسطة أمريكا وبريطانيا، وبموافقة ومشاركة دولة أو اثنتين تحت غطاء الأمم المتحدة.. سيكون المسئول الوحيد هو الرئيس العراقي صدام حسين.. الذي يواصل سياسته غير المفهومة أو المبررة، والتي تعد من الحماقات الكبري في تاريخنا المعاصر.. ولا يستطيع محلل سياسي أو مراقب أن يجد تبريرا لها ـ إلا أن هذا النظام متواطيء مع المصالح الأمريكية والغربية ضد مصالح شعبه.. وينتقم من هذا الشعب الذي سلم له مقاليده وغير قادر علي مواجهته أو تغييره..
كما أن هذا الرئيس يمارس هواية تدرب عليها منذ تولية السلطة.. ليس فقط تبديدا للقدرات العربية بل تحطيما للبنية والموارد، وإشاعة لليأس والإحباط لكل العرب، وإشعارهم بأنهم أصبحوا لا يملكون من أمرهم شيئا.. وإذا تمادينا في حصر المسئولين عن الضربة القادمة.. فسنجد أن هناك مسئولا آخر ائتمنه صدام حسين.. ووافق علي واساطته ومنحه ثقته الكاملة.. هو روسيا ويلتسين وهذا شيئ قد يبدو غير مفهوما فالرئيس الروسي.. هاجم بشدة الضربة الجوية المنتظرة.. ورفض كل مبرراتها، بل هدد من باب المبالغة والتهديد فوصف ضرب العراق بأنه يؤدي إلي قيام حرب عالمية جديدة.. وهنا تكمن خطورة تصريحات الرئيس الروسي وخطابه غير الواقعي فهو بالرغم مما يملكه من قدرات محدودة،
ومن ضعف الموقفين الدولي والعربي.. وعدم قدرتهما علي التأثير فهم جميعا لا يملكون سلطة علي القرار الأمريكي.. إيجابا أو سلبا وهم بالتالي غير قادرين علي منع الضربة أو مواجهتها إلا بالرفض والشجب. فكيف تكون المبالغة بحدوث حرب عالمية جديدة.. ومن يستطيع إشعالها وضد من..؟
هذه التصريحات غير الواقعية لا تعطي النظام العراقي تقديرا حقيقيا للموقف.. وتكرس عدم قدرته علي فهم المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية وتؤدي به إلي مواصلة عناده وغروره الكاذب ويمتشق جواده ويواصل تهديداته الفارغة بلا مضمون حقيقي من القوة حيث أنه لا يملك أي قدرات عسكرية.. أو تنظيمية يستطيع بها حماية قصور الرئاسة أو المواقع المطلوب تفتيشها وعددها ٥٤ موقعا.. كما أنه أصبح لا يحكم سوي بغداد وما حولها..
كما أن وضع العراق مثالي لضربة ساحقة، تعيد بها الولايات المتحدة تأكيد قدراتها العسكرية وفرض هيمنتها علي النظام العالمي منذ سقوط الاتحاد السوفيتي.. وكل المؤشرات تشير إلي أن هذه الضربة ستؤدي إلي عواقب وخيمة علي مستقبل العراق المهدد حاليا بإنهيار كامل لبقايا الدولة الحالية وتفكك أركانها.. وتقسيمه أو إلي فوضي عارمة.. وليست هناك قوي محددة تملك الحركة علي أرض الواقع لفرض نظام ـ أي نظام ـ إألا الجيران الحاليون ولكل أطماعه في العراق المنهار.
أمام هذه الظروف والوضع القاسي للحياة المعيشية للشعب العراقي الذي أنهكته سنوات الحصار السبع.. وفتكت بشبابه قبل أطفاله.. وأضاعت أجيالا متعاقبة، وأصابتها بكل الأمراض النفسية وتفشت الأوبئة،.. كان من المنتظر أن يدرك الرئيس العراقي هذا الوضع الصعب بكل المقاييس بالنسبة له ولشعبه وبلاده، والمثالي بالنسبة للقوي الطامعة فيه، والتي سوف تصعد علي أكتافه لمواصلة الانتعاش الاقتصادي.. واستنزاف الثروة العربية البترولية، والسطو علي المدخرات العربية لكي يعاد ضخها في شرايين الاقتصاد الأمريكي والأوروبي.. والذي يحقق لهم وضعا يشيرون فيه بأصابعهم للجميع.. إن هذا العقاب سوف يطول كل من يفكر في كسر شريعتهم الجديدة.. ويواصلون تكريس الأوضاع الظالمة في النظام العالمي الذي ظهر بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.
ولعلنا نتوقف ـ بالكثير من التقدير ـ أمام موقف الزعماء العرب.. وخاصة الرئيس المصري مبارك.. وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد الذان أعلنا صراحة للرئيس كلينتون ووزيرة خارجيته ولكل المبعوثين، وأمام الرأي العام رفض مصر والسعودية لضرب العراق، وعدم اقتناعهما بالمبررات التي قدمت ومازالت لتبديد الضربة المنتظرة.. وهكذا وبالرغم من عدم الثقة العربية في صدام حسين ونظامه.. فقد تعامل العرب وخاصة مصر والسعودية مع جوانب هذه القضية بنظرة موضوعية طالبت بالحل الدبلوماسي.. وبوقفة مصارحة لكيفية تعامل
الولايات المتحدة والأمم المتحدة مع العراق والدول العربية التي تطالبها باحترام القرارات الدولية، والازدواجية مع إسرائيل التي تتمتع برصيد ضخم من التجاوزات في عدم احترام الاتفاقيات.. وتعامل هذا النظام بطريقة مختلفة تماما.. بينما الشعوب العربية يتنزل بها أشد العقوبات صرامة وتتعرض لضربات موجعة وانهاك واستنزاف سياسي واقتصادي.
والخروج من هذا المأزق يلزم الرئيس العراقي أن يعترف صراحة بحقائق الأوضاع السياسية في بلاده، ويغير من سياساته ويحقق سيادة جديدة لدولته.. تقوم علي الصراحة والشفافية في المعاملات الدولية، والرغبة في كشف الحقائق.. وليس إعطاء فرصة مستمرة لنظام عالمي مستبد تقوده الولايات المتحدة لكي ينزل بالشعب العراقي وبالأمة العربية أقسي العقوبات.. ويحول بلادنا إلي مجتمعات متخلفة وحقول لتجارب الأسلحة الحديثة بالرغم من أنها تملك القدرة والامكانات علي أن تكون جزءا مؤثرا وفاعلا.. علي المسرح العالمي وبتميذ.
علي العراق أن يحترم تعهداته الدولية بل يبالغ في هذا الاحترام من أجل كشف الاضطهاد والعنصرية التي تمارس علي الشعوب العربية في السنوات الأخيرة من القرن العشرين، والتي يطلقون عليها سنوات حقوق الإنسان.. والتي اقتصرت علي الإنسان الأمريكي والأوروبي فقط.. ولكن ضاعت كل حقوق الإنسان العربي سواء كان الفلسطيني أو العراقي والقائمة طويلة قادمة..