قصي وعدي صدام.. جرائم جديدة وقديمة!

احتفل الأمريكيون بمقتل قصي وعدي صدام حسين, أكثر من العراقيين أنفسهم, وكأنهم كانوا في حاجة إلي نصر رمزي يرفع من روحهم المعنوية, ويعيد لأوضاعهم العسكرية والسياسية في العراق شيئا من الاعتبار, أما من جهة أخري فقد حرك الحادث الأخير المياه الراكدة, التي دخلت فيها الأوضاع العراقية, منذ دخول القوات الأمريكية إلي بغداد في التاسع من أبريل الماضي.
فقد كشف الحادث عن أخطاء في تقييم الأمريكيين لأوضاع ما بعد الحرب, وغابت عنهم الرؤية هم وغيرهم, ولم يدركوا أنه بخروج صدام حسين من السلطة, وسقوط العراق في أيدي الاحتلال, أصبح هذا النظام نسيا منسيا, إلا لدي البعض من الخائفين من عامة العراقيين, وما يساق عن علاقة النظام السابق بالأمريكيين وارتباطهم بسياسات صدام وابنيه, واحتمالات عودته للسلطة في حالة فشل الأمريكيين في حكم البلاد أو تسليم السلطة للعراقيين, وإنهاء الاحتلال, وهذا تفكير الخائفين, لأن ذلك ليس له أي احتمال, إذا لم يكن مستحيلا.
من هنا فإن مقتل قصي وعدي في معركة عسكرية غير مبررة ترك انطباعا لدي الرأي العام بأن الأمريكيين لا يريدون كشفا للمعلومات أو تقديما لصدام وابنيه للمحاكمة, فلا أحد يقبل رواية أن عملية ثلاثاء الموصل22 يوليو كان لا يمكن تجنبها إلا بقتل الأخوين, فماذا كان يمكن أن يفعل اثنان أو أربعة أو عشرة, في شقة محاصرة لعدة ساعات أو حتي أيام, إلا بتسليم أو قتل أنفسهم؟ فلم يكن هناك حاجة ضرورية للأمريكيين لقتلهما إلا إذا كانوا يبحثون عن نصر إعلامي يرضي الغرائز, ويحقق أهدافا نفسية للجمهور العراقي, وللرأي العام الأمريكي والأوروبي.
وحتي أكون واضحا فإن هذا النصر الشكلي هو نصر وقتي وإعلامي فقط, ولا يمت لمعني النصر بشيء علي الإطلاق, فما تحتاجه قوات الاحتلال الأمريكي في العراق, هو تغيير كامل في سياستها الراهنة, وأن تعود واشنطن إلي المجتمع الدولي, وتسلم بشرعية الأمم المتحدة, ولا تكتفي بالقرار الدولي1483, الذي لم يكن يعني العراق بقدر ما كان يعني حلفاء أمريكا, الذين رفضوا الحرب في البداية, ثم عادوا وسلموا بها في هذا القرار كأمر واقع, وإذا كانت هذه هي الحال فإن أمريكا يجب أن تعود للشرعية, فتسلم بأن الخروج من مأزق العراق, لن يكون سهلا, إلا بتعاون دولي خلاق, وتعاون إقليمي مميز وحقيقي, علي أن تعيد أمريكا تقييم الموقف, حتي تدرك أن ما يحدث الآن من العراقيين ليس مقاومة فقط, بل رد فعل طبيعيا لشعب يرفض الاحتلال, ولا يمكن له أن يقبل به أو يبرر وجوده, رغم أنه يقدر ويشعر بأنه كان في حاجة إلي تعاون دولي وعالمي لإسقاط صدام حسين وابنيه وإبعادهم عن حكم العراق, فحجم جرائمهم يفوق الوصف والتقدير, ولكن الجرائم القديمة لا تبررالجرائم الحديثة.
ولذلك يجب أن ندرك خطورة المقاومة العراقية, إذا بدأت, حيث إنه من الطبيعي بمرور الزمن, بعد شعور الراحة بسقوط صدام وأسرته سوف يتلاشي هذا الشعور, ويبدأ الشعب العراقي في فهم متغيرات الاحتلال وتأثيره علي الكرامة الوطنية للشعب, فإن الهبة في هذه الحالة, والتي نسميها المقاومة الحقيقية المنتظرة, ستكون صعبة علي المنطقة, وعلي أمريكا والعالم, ولأن الوضع الحالي, وهو في أبسط حالاته, وصل إلي درجة ما يمكن أن يسمي حربا للاستنزاف العسكري والمالي, والتي تضغط علي أمريكا في كل الاتجاهات, فالتوتر يسود بين العسكريين الأمريكيين للخسائر اليومية في الجنود, كما أن تردي الأوضاع المعيشية الاقتصادية الداخلية في العراق وصل إلي درجة رهيبة يدركها كل من يقدر عواقبها تماما, ولذلك فإن الدعوة العاقلة للعودة إلي الأوضاع الطبيعية, وإعلان برنامج أمريكي واضح, يحترم المجتمع الدولي والإقليمي ويشركهما في حل الأزمة العراقية المشتعلة سيلقي تجاوبا واحتراما عراقيا أولا, وإقليميا ثانيا, ثم في الأخير عالميا,
وذلك سيسمح لأمريكا بأن تمارس دورها السياسي العالمي باعتبارها القوة العظمي في ظل تجاوب مشاركة عالمية تحقق لها الحد الأدني الممكن لإنجاح سياستها والخروج من الكوارث التي تنجم عن القوة والتطرف.
وإذا عدنا إلي عدي وقصي صدام حسين, فقد حرك مقتلهما وصورهما التي نشرت صحفيا وتليفزيونيا علي نطاق واسع, كل الأساطير التي عشناها مع جمهورية الخوف, التي صنعها صدام في العراق, فصدام لم يكن حاكما عاديا بل أسطوريا, لم تصب خطاياه العراقيين وحدهم, بل العرب جميعا, فهو الحاكم الديكتاتوري الذي قتل وأفقر أغني بلاد العرب العراق, ويتحمل مسئولية كبري عن تبديد أكبر ثروة جناها العرب من النفط, بدخوله حربين عبثيتين, في إيران في الثمانينيات, ثم احتلال الكويت في التسعينيات, وكانت النتيجة خرابا كبيرا لكل الشعوب في عالمنا العربي, فقد بدأ حكمه وهو في ثلاثينيات العمر, بقتل زملائه في البعث, وحتي أسرته لم تنج من بطشه, فأورثه القدر ابنا هو( عدي) كان يفتخر بلقب( أبو سرحان) أي الذئب, فقتل أزواج شقيقتيه, وهربت منه زوجته وطالت عدوانيته كل الشعب العراقي, أما حياة الابنين معا فأسطورة سوداء, وهما مثل ملوك الإغريق, عندما كان أبطالهم يحاربون القدر, حتي يصرعهم جميعا!!
ولكن علينا جميعا أن نتعلم من الأساطير, وأن نعرف أن إطلاق الفوضي والقتل هو خراب علي الجميع, فالأسطورة القديمة للملكة ميديا إحدي ملكات اليونان تقول إنها أرادت الانتقام من زوجها لخيانته لها فقتلت أبناءه, فاكتشفت بعد الجريمة أن أبناءه هم أبناؤها, ويقال إنه عندما يستبد الانتقام بالإنسان, فإنه ينتقم من نفسه في شخص الآخرين.
ولذلك يجب أن نوقف الفوضي من أعماقنا, ولنتذكر أن صدام حسين لم يصبح حاكما الآن, بل فردا عاديا لا يقود مقاومة, ولا يفعل شيئا, فهو مطمور في مخبأ, قد يستغله في إرسال رسائل تشير إلي أنه مازال علي قيد الحياة, ويحث الناس علي المقاومة, في محاولة لصنع دور يبرر به حياته الحالية, ومن الأفضل أن نمسك به ولا نقتله حتي نحاكمه, ونعرف ما أخفاه من معلومات, إلا إذا كان الجاني, يريد قتله ليموت معه ما لا يريدون لنا أن نعرفه.