مقالات الأهرام العربى

الخوف من السلام

أرى ­ مثلما يرى كثيرون غيرى ­ أن دول الشرق الأوسط كلها مازالت خائفة من السلام، بالرغم من سعيها إليه جميعا، واعترافها بأنه الحل الوحيد للصراع العربى ­ الإسرائيلى.

فبعد 50 عاما من الصراع، تكيف الجميع مع رفض الآخر، وأصبح الصراع وسيلة حياة، والخوف من السلام له أسباب كثيرة، لعل أهمها طول الصراع وتعقده، وترك الأمور والسياسات للمتطرفين أو الضعفاء وعديمى الخيال والرؤية، بل إنه فى الحالات الاستثنائية الكبرى فى تاريخ منطقتنا فإن السياسيين البارزين. اللذين استطاعا كسر طوق الصراع، وتغيير مساره، هما الرئيس أنور السادات، الذى وضع عينيه على كسب الرأى العام الإسرائيلى والعالمى فى صفه، فقام بزيارة تاريخية إلى القدس، وتحدث أمام الكنيست الإسرائيلى، وفتح طريق السلام لشعوب الشرق الأوسط باتفاقية السلام المصرية ­ الإسرائيلية الصعبة، وكان نصيبه رصاصات الإرهاب والتطرف، والاتهام بالخيانة والعمالة، أما الرجل الآخر فكان إسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلى، الذى اعترف بشجاعة بوجود الفلسطينيين، وبحقهم فى العيش إلى جانب إسرائيل، واتفق معهم، وقامت إثر ذلك السلطة الفلسطينية، وبدأ طريق الدولة الثانية.

هو الآخر قتلته رصاصات الإرهاب والتطرف الإسرائيلى هذه المرة، وأصبح هذان الحادثان بمثابة الدرس اللعين لكل من يفكر، ويتخذ القرار الصعب صوب السلام، فعليه أولا أن يتذكر الرءوس الطائرة، وهو ما يعنى الخوف الداخلى والاهتزاز وارتعاش يدى القادة والزعماء الراغبين فى التغيير، وفتح الطريق أمام الشعوب لتجتاز هذه المعضلة الصعبة، التى أوقفت التنمية والنمو، وأفقرت الشعوب، وشردت الشعب الفلسطينى، وجعلته رمزا للاضطهاد والعنصرية، فأصبحت قضيته العادلة، بؤرة لتفريخ التوتر والإرهاب.

كما هى العادة فإن القضايا العادلة، تجذب دائما المغامرين، ليجعلوا منها سببا لمغامراتهم اللعينة، وفى بداية التسعينيات برر صدام حسين احتلاله غير المشروع للكويت بقضية فلسطين، ومع الألفية الجديدة برر أسامة بن لادن جريمة قتل الأبرياء فى نيويورك وواشنطن بالحق الفلسطينى، ولن يعترف الديكتاتور والمجرم بجريمتهما بسهولة، فهما يحاولان دائما أن يجعلا من عملهما المؤثم فعلا مشروعا بقضايا الحق والعدل، أو الدفاع عن المظلومين والفقراء فى العالم.

ومثلما كانت القضية الفلسطينية مصدر إلهام لمن حاولوا الاستيلاء على السلطة فى بلادهم، وللتأخير والتحديث والتقدم والديمقراطية وتكريس الديكتاتورية فى بداية القرن، أصبحت الآن طريقا للفوضى والإرهاب فى عالمنا، ولذلك فإن الشرق الأوسط يستصرخ الضمير العالمى، ليخلصنا من هذه القضية الأزمة، وينقذ الشعب الفلسطينى من عصره المظلم.

وبالرغم من الموقف الأمريكى لإدارة الرئيس جورج بوش منذ أحداث نيويورك وواشنطن وتكوينها تحالفا دوليا للإرهاب، فإن الحرب الراهنة لم تمنعها من إعلان الرئيس عن شبه اعتراف بالدولة الفلسطينية، وخطاب كولن باول وزير خارجيته، الذى بين بلغة ثابتة، المظالم التى تعرض لها الشعب الفلسطينى، وهذا لا يكفى، ولن يحقق السلام فى الشرق الأوسط، ولن يضع حدا للصراع الراهن، لعدم قدرة القادة فى إسرائيل ­ خاصة تحت قيادة الهيستيرية لرئيس الوزراء شارون ­ على الخوض فى طريق السلام بشجاعة، والاعتراف بالحقوق المشروعة لأنهم ببساطة وقعوا فريسة لليمين الدينى الإسرائيلى والتوسعيين الصهاينة، وكذلك وقع الرئيس عرفات ومجموعته أسرى للاضطهاد الصهيونى، وأصبح غير قادر على مخاطبة الشارع الإسرائيلى، وتوجيه رسالة اطمئنان له، للتعبير عن رغبته الكامنة فى السلام العادل، من هنا فإن الساحة السياسية قد تركت للمتطرفين على الجانبين، وفى هذه الحالة فإن طريق السلام يصبح صعبا وبعيد المنال.

كيف نخرج من هذه الحالة المستعصية، والتى تبعث على الكآبة، لمصير منطقتنا، بعد أن كان الجميع يحلمون بشرق أوسط أفضل وأكثر استقرارا وأمنا؟

ويجمع كثير من المراقبين، وأتفق معهم ­ على أننا فى حاجة إلى ظهور تجمع دولى جديد، لن يكون هذه المرة ضد صدام حسين أو ضد الإرهاب وتنظيم القاعدة، وبن لادن. لكن ضد الخائفين من السلام وصانعى التوتر الإقليمى، وهؤلاء خطرهم على عالمنا أكثر من صدام أو بن لادن، لأن الخائفين من السلام ببساطة هم سبب لاستمرار التوتر، وغياب الأمل للشعوب وتأخير الديمقراطية والتحديث والنمو الاقتصادى، وتعثر طريق الأمل لحياة الشعوب وللأجيال الراهنة والقادمة، ومبرر للفساد وغياب القانون.

إن الموقف الجاد، الراهن، والحرب المعلنة ضد الإرهاب يفتحان باب الأمل للتغيير الإقليمى فى الشرق الأوسط بعد انتفاضة باسلة للشعب الفلسطينى، تعبر عن رفضه للاحتلال من خلال صمود لا نظير له لشعب أعزل، ضد آلة حرب جبارة، ويلزمان جورج بوش الابن بقيادة تحالف دولى جديد يضم نفس القوى التى وقفت ضد الإرهاب ˜العرب والاتحاد الأوروبى وروسيا والصين والهند وباكستانŒ يفرض حلا على الإسرائيليين والفلسطينيين معا، يكون عادلا لكل شعوب الشرق الأوسط بانسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة فى سوريا ولبنان وفلسطين، وبقيام دولة فلسطينية، ويحمى حق العرب فى القدس المحتلة، ويوفر لكل الأديان حرية التعبير والعيش المشترك فى سلام حقيقى، وهو ما تحتاج إلى موقف دولى حاسم، يفرض السلام والتعايش.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى