المسئولية جرائم موفاز وشارون كما يصفها الإسرائيليون والأمريكيون

حانت لحظة المسئولية والحساب، للخروج من المأزق الصعب الذى تعيشه منطقتنا، ولنثق فى أن شارون سيحاسب، ويحاكم قريبا، وستحاكمه إسرائيل نفسها قبل الضمير العالمى، فهو الذى فجر براكين الغضب لدى العرب والفلسطينيين، كما كتب يورى أفنيرى رئيس حركة السلام الإسرائيلى، قائلا إن أفعال الجنرال المستقيل شاؤول موفاز رئيس أركان الجيش السابق، هى التى أوصلت هذا الغضب إلى درجة غير مسبوقة فى قلوب الفلسطينيين جميعا، من أساتذة فى الجامعة، إلى رجل الشارع إلى ربات المنازل، أو تلاميذ المدارس والمثقفين سواء كانوا يساريين أم أصوليين.
وعندما تجرى الدبابات مسعورة فى وسط المدينة مطلقة النيران بلا تمييز فى كل الاتجاهات، مسببة الذعر لكل الشعب، فإن هذا الموقف يحرض على الغضب الشديد، وعندما يقتحم الجنود جدار حجرة معيشة إحدى الأسر، مسببين صدمة للأطفال والبالغين، ناهبين متعلقاتهم، ثم تدمير حائط الشقة المجاورة ليشفوا غليل غضبهم، فإن ذلك أيضا يحرض على الغضب الشديد.
وعندما يأمر الضباط بإطلاق النار على سيارات الإسعاف ويقتلون الأطباء المنهمكين فى إنقاذ أرواح المصابين، بما يثير الغضب الجامح.
ومثلما كشف أفنيرى دور موفاز فى صناعة الغضب الفلسطينى، فإن الكثيرين، سوف يدركون أن شارون هو الذى صنع ثورة الغضب الفلسطينى والعربى، والعالمى، نتيجة طريقته الوحشية لمحاصرة عرفات والسلطة الفلسطينية فى رام الله، وإعادة احتلال المدن الفلسطينية، وقتل المسلمين والمسيحيين وانتهاك المسجد الأقصى فى مدينة الرحمن القدس مدينة سيدنا إبراهيم الخليل، واحتلال كنيسة المهد، ومثلما انتهك الجنود الإسرائيليون حرمة الفلسطينيين، انتهكوا حرمة الأديان، وهدموا المنازل والحياة والجوامع والكنائس، فأى أناس هؤلاء الذين يرتبكون الجرائم، فمن يحاسبهم ويحاكمهم؟
وقد وصف ذلك يوسى ساريد زعيم المعارضة ورئيس حزب ميرتس، حيث وصف الغضب بأنه سيكون أكثر فاعلية من فكرة الأمن الذى وقع فى غرامه الإسرائيليون أخيرا، وقدم ساريد فكرة طالب فيها بتكوين قوة دولية تحت قيادة الولايات المتحدة، ليست لتحمى الفلسطينيين والإسرائيليين فقط، لكن لتحمى مصالح الولايات المتحدة والعالم الحر والدول العربية، وتساعد السلطة الفلسطينية فى إعادة تأهيل نفسها، والشعب الفلسطينى فى الضفة الغربية وغزة للوقوف على أقدامهم مرة أخرى بلا خوف أو تهديد.
والكلام مازال لساريد الذى يضيف لقد رفضت إسرائيل لسنوات فكرة القوة الدولية قائلة اسمحوا لى، هل نحن البوسنة؟ هل هذه هى كوسوفا؟
ويجيب ساريد نعم لقد أصبحنا كوسوفا، عندما يقع الضحايا كل يوم ويصيب الحقد والانتقام كلا الطرفين بالعمى فنحن كوسوفا، وحقيقة ولأننا أصبحنا كوسوفا فيجب إيجاد حل مثلما حدث مع كوسوفا.
كل هذه الأحداث الجسام تفرض المنطق والمسئولية. ولا أقول من عندى، لكن الفايننشال تايمز فى افتتاحيتها وسط الأحداث كتبت فى عرض نادر عن الوضع فى الشرق الأوسط قائلة لقد طالب مجلس الأمن بانسحاب إسرائيل من المدن الفلسطينية وآرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلى، يجب أن يحترم رغبة المجتمع الدولى ويسحب قواته بعيدا عن المناطق الفلسطينية التى تم إعادة احتلالها مجددا.
وذلك يتضمن رام الله حيث يحاصر ياسر عرفات الزعيم الفلسطينى فى حجرتين بعد تدمير جزء كبير من المبنى، وعلى الرغم من صعوبة الموقف، يجب أيضا أن يستجيب كل من الفلسطينيين والإسرائيليين لقرار الأمم المتحدة بالتحرك العاجل نحو وقف إطلاق النار.
ونحن نطالب مع الجميع بأن يلتزم الفلسطينيون بكل فصائلهم بذلك.
فالعالم يكشف شارون ويدينه الآن، وهذا مكسب كبير للثورة الفلسطينية، ولن نتمكن من الحفاظ عليه، إلا بالمقاومة المشروعة بعيدا عن العمليات المدنية.
ونعود إلى الفايننشال، فقد فندت ادعاء شارون بأن الحل يكمن فى تدمير السلطة الفلسطينية، وعزل عرفات، مؤكدة أن ذلك يعتبر تضليلا خطيرا، فاعتماد شارون على قوة إسرائيل العسكرية ورفضه لتحديد رؤية عادلة للسلام يهدد بوقوع كارثة للدولة اليهودية، ولحظتها لن تشعر إسرائيل بالأمن.
وسياسة شارون فى تقويض السلطة الفلسطينية دعمت عزم الجماعات المتشددة على أن يكون قتالهم فى المدن الإسرائيلية، ومن الصعب إدراك كيف أن عرفات المعزول فى رام الله، يمكن أن يتجنب هذه العمليات فى هذا المناخ الحالى؟
يجب أن يفهم شارون أن الاحتلال وإهانة الفلسطينيين يعمقان مأساة الشرق الأوسط، وأن استبعاد السلطة الفلسطينية قد ينشأ عنه فراغ، من المحتمل، بل من الأكيد أن يملأه جيل غاضب من القادة المتعصبين، لكن الوقت حان لتتدخل الولايات المتحدة بالقوة وبرسالة واضحة أن مصالح إسرائيل لا تكمن فى المزيد من الاحتلال، لكن فى الحل السياسى فقط، واشنطن لديها الفعالية فى تنفيذ وقف إطلاق النار، وجعل شارون يأخذ ذلك فى الاعتبار، لأن الرسائل الأمريكية الأخيرة إلى إسرائيل جاءت فى الأيام الأخيرة مضطربة بين الضغط والاستكانة لجرائم شارون.
نعترف بأن أمريكا انضمت إلى مجلس الأمن لتأييد قرار الانسحاب الإسرائيلى، وهى المرة الثانية فى أقل من شهر التى تؤيد واشنطن فيها قرارا حاسما ضد إسرائيل، كما أثنى جورج بوش على المبادرة السعودية التى تبنتها القمة العربية فى بيروت.
لكن التصريحات الأمريكية أرسلت إشارة مختلفة أكثر تأييدا لإسرائيل، ملقية عبء استعادة الهدوء على عرفات، كما تركت انطباعا بأن واشنطن أعطت ضوءا أخضر للعمليات العسكرية ضد الفلسطينيين، مع الحفاظ فقط على حياة عرفات.
الفايننشال تقترح بأن ينضم الأوروبيون إلى الأمريكيين لممارسة سياسة جدية لإنهاء القمع الإسرائيلى والضغط على الجانبين للاتفاق على وقف إطلاق النار إن هذا الوقت ليس وقت التملص أو التردد، ويجب أن تقوم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى بتعزيز الأمم المتحدة مع المطالبة بانسحاب شارون. والاعتراف بأن القوة والكراهية ستكون لهما عواقب مأساوية، لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين.
حرصت فى هذا المقال على أن أنقل أن هناك فى إسرائيل وفى أمريكا، من يشعر بثقل المسئولية وعبئها، ويصف جريمة شارون بدقة، والغياب الأمريكى بوضوح حتى نتحلى جميعا بالمسئولية لإنقاذ المنطقة والشعب الفلسطينى، لتعود المسيرة كما يقول دوجلاس هيرد وزير خارجية بريطانيا الأسبق لإعادة التفكير فى السلام.