حوارات

العاهل الأردني عبدالله الثاني في حوار مع “أسامة سرايا” : الإرهابيون يسعون إلي جعل الدول العربية ساحة للفوضي والتدخلات الخارجية

2007 مايو 10 ‏23 من ربيع الآخر 1428 هـ الخميس

 

العاهل الأردني عبدالله الثاني في حوار شامل مع الأهرام‏:‏

نحذر من نشوب حرب في المنطقة إذا لم يحدث تقدم في عملية السلام

أخشي أن نندم جميعا علي سلام يضيع في وقت كان تحقيقه مستطاعا

الإرهابيون يسعون إلي جعل الدول العربية ساحة للفوضي والتدخلات الخارجية

 

أجري الحوار في عمان‏:‏ أسـامة سـرايا

في بيت الأردن بضاحية الحمر بقلب العاصمة عمان‏,‏ جرت وقائع هذه المقابلة مع الملك عبدالله الثاني‏.‏

 

مظاهر الحفاوة والود والترحيب التي استقبلني بها الملك عكست وتعكس التقدير الرفيع الذي تكنه الأسرة الهاشمية الأردنية لمصر‏,‏ قيادة وحكومة وشعبا‏,‏ فضلا عن الاحترام الذي تبديه القيادة الأردنية لـ الأهرام ولرسالته الصحفية والتنويرية‏.‏

 

في كل إجاباته عن أسئلة الأهرام حرص الملك عبدالله الثاني علي إظهار عمق العلاقة الشخصية التي تربطه بالرئيس حسني مبارك‏,‏ مشيرا إلي أنها علاقة قديمة وعائلية نشأت وترعرعت منذ عهد والده الراحل الملك حسين بن طلال‏,‏ ومؤكدا أنه ينظر إلي السيد الرئيس باعتباره في مكانة الوالد‏,‏ ويعلي من قدره وحكمته في التعامل مع مختلف القضايا القومية والإقليمية والدولية‏,‏ ومن هنا فإن التشاور والتنسيق الثنائي‏,‏ المصري ـ الأردني قائم ويجري علي أعلي المستويات وفي كل المجالات‏.‏

 

وفي حواره الشامل مغ الأهرام أكد العاهل الأردني أن مبادرة السلام العربية فرصة تاريخية لتحقيق السلام في المنطقة وإنهاء عقود من العنف والمعاناة التي عاشتها شعوب الشرق الأوسط خاصة الشعب الفلسطيني‏.‏

 

وقال‏:‏ إنه يخشي أن تكمل إسرائيل مخططاتها إذا لم يتحرك العرب سريعا‏,‏ وعندها لن يجدوا ما يتفاوضون عليه‏,‏ مشددا علي أننا لا نملك ترف التسويف والانتظار‏.‏

وأوضح أنه علي اتصال مستمر ومتواصل مع أخيه الرئيس مبارك وخادم الحرمين الشريفين لحشد الدعم للمبادرة العربية وشرح أبعادها والترويج لها في أوساط المجتمع الدولي وداخل إسرائيل‏.‏

 

وقال إنه لم يفاجأ بالتعليقات التي وردت في وسائل الإعلام الإسرائيلية عقب استقباله رئيسة البرلمان الإسرائيلي لأنه تعود علي خروج مثل هذه الأقاويل التي لا تهدف إلا للتشويش وعرقلة ما نقوم به من جهود لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية‏.‏ وأكد أن الولايات المتحدة تتحمل مسئولية أخلاقية كبري تجاه إحلال السلام في الشرق الأوسط وإنهاء الصراع الفلسطيني‏-‏ الإسرائيلي لأنه سيكون البداية لمعالجة الأزمات الأخري في المنطقة‏.‏

 

وأعرب الملك عبدالله الثاني عن أمله في أن يكون مؤتمر شرم الشيخ قد حقق نتائج تسهم في التخلص من الأزمة العنيفة بالعراق‏.‏ مؤكدا أن العراقيين هم الأقدر علي معرفة مصلحة بلدهم شريطة توحيد صفوفهم والوقوف ضد الأصوات التي تعلو لإثارة الفتنة الطائفية وتأجيج حالة العنف والاقتتال‏.‏

 

وقال إن التعاون الثنائي المصري ـ الأردني وصل إلي مرحلة متقدمة‏,‏ وهو في تطور نوعي مستمر‏,‏ وأشار إلي أن إجراءات تنظيم نسبة العمالة الوافدة للأردن لم يكن مقصودا بها أي عمالة عربية بعينها بل مراعاة المصلحة الوطنية‏,‏ وقد جري تنفيذ هذه الإجراءات بالتنسيق مع الاخوة في مصر‏.‏

 

وحول الأوضاع السياسية والاقتصادية في الأردن أوضح الملك عبدالله الثاني أنه حريص علي الالتزام بالديمقراطية كنهج للمؤسسات الدستورية وملتزم بإجراء الانتخابات النيابية والبلدية في مواعيدها برغم صعوبة الظروف الإقليمية‏.‏ وقال إن المؤشرات الاقتصادية تدل علي معدلات نمو إيجابية وإن الاحتياطي النقدي وزيادة الصادرات وتطور القطاع الصناعي كلها عوامل تؤكد قوة الاقتصاد الأردني‏.‏

 

وفيما يلي نص حوار العاهل الأردني مع رئيس تحرير الأهرام

الأهرام‏:‏ كلفت جامعة الدول العربية في الاجتماع الأخير للجنة مبادرة السلام يوم‏18‏ ابريل الماضي كلا من مصر والأردن بشرح مبادرة السلام العربية وتسهيل المفاوضات المباشرة مع إسرائيل‏.‏ ما هي خطة تحرك جلالتكم في المرحلة المقبلة لتحقيق هذا الهدف؟ وكيف يتم التنسيق مع القيادة المصرية في هذا المجال؟

الملك عبدالله الثاني‏:‏ أود بداية أن أشير إلي أن مبادرة السلام العربية تعد فرصة لتحقيق السلام في المنطقة وإنهاء عقود من العنف والمعاناة عاشتها شعوب الشرق الأوسط‏,‏ خاصة الشعب الفلسطيني‏.‏ وكما قلت مرارا في الآونة الأخيرة‏,‏ يجب علي مختلف الأطراف أن تتعامل مع المبادرة بكل جدية وبالذات الجانب الإسرائيلي‏,‏ فهذه المبادرة تعكس رغبة العرب الحقيقية في التوصل إلي سلام يعيد الحقوق العربية المشروعة‏,‏ ويؤمن لإسرائيل العيش في أمن واستقرار مع جيرانها في المنطقة‏.‏ ونحن منذ البداية علي اتصال مستمر ومتواصل مع الأخ الرئيس محمد حسني مبارك وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز والقادة العرب لحشد الدعم للمبادرة وشرح أبعادها والترويج لها في أوساط المجتمع الدولي وداخل المجتمع الإسرائيلي‏,‏ ليسهموا بدورهم في التأثير علي القيادات والمسئولين الإسرائيليين والقوي الفاعلة في ذلك المجتمع وتأمين مساندتهم للمبادرة وما تكفله من سلام حقيقي ومستقبل آمن لشعوب المنطقة بما في ذلك الشعب الإسرائيلي‏.‏ صحيح أن التحديات كبيرة والعقبات كثيرة لكن بالتوجه المخلص والنوايا الحسنة والعمل الجاد والسريع نستطيع أن نتجاوز كل العراقيل والصعوبات

نحو تحقيق تسوية سياسية شاملة للنزاع العربي ـ الإسرائيلي وجوهره المتمثل في القضية الفلسطينية التي كانت وما زالت قضية العرب الأولي‏.‏ وهنا أود تأكيد أهمية استثمار الوقت في هذه المرحلة لأن الواقع الجغرافي علي الأرض الفلسطينية وما تقوم به إسرائيل من توسع في بناء المستوطنات والجدار العازل يهدد بإضاعة الفرصة التاريخية التي تقدمها المبادرة العربية في إحلال السلام‏.‏ وأخشي إن لم نتحرك سريعا‏,‏ ألا نجد ما نتفاوض عليه بعد أن تكمل إسرائيل مخططاتها‏.‏ ومع كل هذا‏,‏ سنستمر في المرحلة المقبلة في التنسيق والتشاور مع إخواننا العرب وجميع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية لضمان ترجمة الزخم السياسي التي توفره المبادرة العربية إلي واقع ملموس علي الأرض‏.‏

 

أن أساس كل المشكلات في الشرق الأوسط هو عدم إيجاد حل للقضية الفلسطينية‏..‏ ونحن ومصر أقرب الناس للقضية الفلسطينية‏,‏ ومعرفة ماذا يريد الفلسطينيون‏,‏ إذا لم يحصل تقدم في مسار عملية السلام‏..‏ فإننا نحذر من نشوب حرب في المنطقة‏..‏ فدعونا ندفع الأمور للأمام حتي نخفف من الضغط‏,‏ ونمنع وقوع مثل هذه الحرب التي سندفع ثمنها جميعا‏.‏

 

تعليقات لا أساس لها من الصحة

الأهرام ‏:‏ بعد يوم واحد من قرار لجنة مبادرة السلام العربية‏,‏ وتكليف مصر والأردن بتسهيل المفاوضات المباشرة مع إسرائيل‏,‏ استقبلتم رئيسة البرلمان الإسرائيلي داليا يتسيك وعشرة من أعضاء الكنيست‏,‏ لكن التصريحات التي نقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية في اليوم التالي خرجت تقول إنكم ستقومون بزيارة إسرائيل الشهر المقبل لمخاطبة الكنيست‏,‏ وأنكم تتحدثون عن إمكان دفع تعويضات للاجئين الفلسطينيين بدلا من التمسك بحق العودة‏,‏ ونقلت عنكم قولكم لأعضاء الكنيست‏’‏ نحن معكم في مركب واحد نواجه نفس الأعداء‏’.‏ ورغم النفي الأردني لهذه الأنباء وردود الأفعال الفلسطينية الغاضبة التي صاحبتها‏,‏ فإننا نريد توضيحا من جلالتكم لملابسات هذه الأنباء‏,‏ وكيف تم تضخيمها بهذه الصورة‏,‏ خاصة أن الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية ناصر جودة أعلن أن هناك إجراءات معينة سيتم اتخاذها مع صحيفة هاآرتس الإسرائيلية التي نشرت هذه الأخبار؟

الملك عبد الله الثاني‏:‏ نحن والمصريون معتادون علي مثل هذه الأساليب الإسرائيلية‏,‏ وأعتقد أن هناك دورا يجب أن تلعبه القوي المؤثرة في إسرائيل للضغط علي القيادات السياسية‏..‏ ولقاءاتنا مع شخصيات إسرائيلية معتدلة تصب في هذا الاتجاه‏.‏ و لم نفاجأ بهذه التعليقات التي لا أساس لها من الصحة تماما‏.‏ لقد تعودنا أن تخرج علينا مثل هذه الأقاويل بين فترة وأخري للتشويش‏,‏ وعرقلة ما نقوم به من جهود لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية‏.‏ وهذا ما حدث بعد أن ألقيت خطابي أمام أعضاء الكونجرس الأمريكي في السابع من آذار الماضي‏.‏ لكن ما فاجأني وفاجأ شعبنا أن تتبني وسائل إعلام عربية رواية الصحيفة الإسرائيلية دون التحقق من مصادر أردنية‏.‏ وهنا أود تأكيد أن هذا الأمر لن يثنينا عن مواصلة دورنا وجهودنا للتوصل إلي السلام العادل والشامل في المنطقة‏.‏ وما أود توضيحه اليوم أيضا هو أن موضوع اللاجئين يعد قضية مهمة للشعب الفلسطيني ولنا أيضا‏,‏ حيث يستضيف الأردن أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين‏,‏ ومعظمهم يتمتع بالجنسية الأردنية التي لا تلغي ولا تنتقص أي حق من حقوق اللاجئين في العودة والتعويض‏.‏ نحن الأصلب في موقفنا تجاه حق العودة للاجئين من غيرنا‏..‏ وهذه القضية ليست ملكي‏,‏ ولا ملك أحد لكي نتصرف بها‏,‏ بل هي قضية تعالج وفق قرارات الشرعية الدولية‏.‏ لكن لا بد هنا من الإشارة إلي أن مبادرة السلام نصت في بنودها علي التوصل إلي حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم‏.194‏ أما بخصوص قيامي بزيارة إسرائيل‏,‏ فأود أن أبين أنه تم توجيه الدعوة لي للقيام بهذه الزيارة منذ فترة‏,‏ وإذا وجدنا في هذه الزيارة فرصة لإحداث تقدم في عملية السلام وخدمة قضية الشعب الفلسطيني‏,‏ الذي يواجه أعتي حصار وظلم عرفه التاريخ‏,‏ فسندرس القيام بها في حينه‏.‏

 

الكونفيدرالية أو الفيدرالية أمر سابق لأوانه

الأهرام‏:‏ أثير أخيرا موضوع الكونفيدرالية بين الأردن وفلسطين‏..‏ هل طرأ أي تغيير علي الموقف الأردني ؟

الملك عبد الله الثاني‏:‏ موقفنا ثابت ولن يتغير‏..‏ والخوض في موضوع الكونفيدرالية أو الفيدرالية‏,‏ قبل قيام الدولة الفلسطينية هو أمر سابق لأوانه‏,‏ ولا نريد الحديث حوله‏..‏ وشكل العلاقة الرسمية الأردنية الفلسطينية في المستقبل‏,‏ أمر يقرره الشعبان الأردني والفلسطيني بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة‏.‏ المهم بالنسبة لنا في هذه المرحلة هو العمل من أجل إطلاق مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين‏,‏ وأن تشكل هذه المفاوضات خطوة علي طريق الحل الذي يفضي إلي حل الدولتين‏,‏ دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة علي الأرض الفلسطينية تعيش بأمن وسلام إلي جانب إسرائيل‏.‏

 

الأهرام‏:‏ أكدتم جلالتكم لرئيسة البرلمان الإسرائيلي أن مبادرة السلام العربية فرصة تاريخية علي إسرائيل ألا تضيعها‏,‏ وضرورة أن يتخذ الفلسطينيون والإسرائيليون خلال الفترة المقبلة خطوات عملية تعزز من أجواء الثقة بينهما‏.‏ ما هي أهم الإجراءات التي ينبغي علي كل طرف اتخاذها حسب أولوياتها من وجهة نظركم؟ وما هي رؤية جلالتكم للرأي الذي يقول إن حكومة إسرائيل الحالية ضعيفة جدا لدرجة لا تستطيع معها إقامة اتفاق سلام مع الدول العربية‏,‏ خاصة أن الفساد يلف أعضاءها؟

الملك عبدالله الثاني‏:‏ نعم إنني أؤمن بشكل قاطع أن المبادرة تعد فرصة تاريخية يجب عدم إضاعتها لأن الجميع سيدفع الثمن‏.‏ ففي هذه المبادرة تكمن إرادة عربية كاملة ومتجددة لإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي سلميا وبشكل عادل‏,‏ وعلي الإسرائيليين والفلسطينيين استغلال هذه الفرصة بسرعة لأن المنطقة تواجه مخاطر هائلة‏,‏ فالتأثير المتعاظم للصراع في ازدياد‏,‏ ووجود لاعبين عديدين يسهم في تعقيد القضية وتشعبها‏,‏ إضافة إلي تغلغل التطرف في المنطقة‏,‏ وكل ذلك عوامل من شأنها أن تكون محفزة للتوصل إلي حل شامل‏,‏ وإلا فالمنطقة كلها ستواجه كارثة لن تقتصر علي دولة بعينها‏.‏ وأخشي أن نندم جميعا علي سلام يضيع في وقت كان تحقيقه مستطاعا‏.‏ أما عند الحديث عن الوضع الداخلي الإسرائيلي ومدي قدرة الحكومة الإسرائيلية علي المضي قدما في عملية السلام‏,‏ فأنا أعتقد جازما إننا لا نملك ترف التسويف والانتظار‏,‏ وظهور طرف أقوي من طرف وقوي مؤثرة أكثر من أخري‏,‏ وكما أسلفت يجب أن يرتفع صوت المعتدلين والمؤمنين بالسلام عاليا في مواجهة قوي التقوقع والتطرف‏.‏ لقد مر أربعون عاما علي احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة‏.‏ فماذا كانت النتيجة؟ لم تتمكن إسرائيل من توفير الأمن لشعبها ولأطفالها‏,‏ ولم تنكسر جذوة النضال لدي الشعب الفلسطيني‏,‏ ولا مثابرتهم علي الاستقلال والحرية‏.‏ فهل تريد إسرائيل أن تعيش عقودا أخري في ظل هذه الظروف‏.‏

 

المسئولية الأخلاقية للولايات المتحدة تجاه المنطقة

الأهرام‏:‏ أكدتم جلالتكم في خطابكم أمام الكونجرس الأمريكي خلال زيارتكم الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية في مارس الماضي‏,‏ أنه يتعين علي واشنطن الدفع بثقلها وراء تحرك عاجل لإحلال السلام في الشرق الأوسط‏,‏ وحذرتم من أن الأزمة تدور بشكل أسرع‏.‏ فما هو تقويمكم للدور الأمريكي بالمنطقة في هذه المرحلة‏,‏ وكيف يمكن زيادة فعاليته مستقبلا؟

الملك عبد الله الثاني‏:‏ الظروف الصعبة والأحداث المتلاحقة التي تشهدها المنطقة‏,‏ باتت تفرض علي الجميع سرعة التحرك لوقف التدهور في الأوضاع‏,‏ التي ستؤدي في حال استمرارها ـ لا قدر الله ـ إلي نهايات مظلمة ومؤلمة وإلي أن يدفع الجميع في هذه المنطقة الثمن‏.‏ ومن ناحية ثانية‏,‏ ولقناعتنا وإيماننا بأن الحل الشامل والدائم للقضية الفلسطينية هو الجوهر الذي يسهم في إيجاد حلول لجميع القضايا الأخري التي تواجه المنطقة‏,‏ فقد انصبت جهودنا خلال السنوات الماضية مع الإدارة الأمريكية علي ضرورة تفعيل دورها في عملية السلام‏,‏ وممارسة تأثيرها علي مختلف الأطراف لحثها علي المضي قدما بعملية السلام‏,‏ واتخاذ خطوات عملية علي أرض الواقع بشكل أكبر وأعمق‏,‏ والولايات المتحدة الأمريكية أكدت مرارا أنها ملتزمة بعملية السلام‏,‏ وهذه الإدارة الأمريكية بالذات أكدت ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية وفق حل الدولتين‏.‏ وإذا كانت الولايات المتحدة تبحث عن انتصار لها في المنطقة فهو يكمن في حل جوهر الصراع في المنطقة وهي القضية الفلسطينية‏.‏ إن الفرص التي ضاعت في السابق قد أوصلت المنطقة برمتها إلي هذا الوضع المتردي من العراق وحتي أفغانستان وهذا مؤشر حقيقي علي ضرورة عدم إضاعة أي فرص متاحة حاليا حتي لا نعود دوما إلي نقطة الصفر‏,‏ بعد أن يكون الثمن الذي دفعناه باهظا‏.‏ وهنا أود تأكيد أن الولايات المتحدة‏,‏ باعتبارها القوة العظمي في العالم‏,‏ تتحمل مسئولية أخلاقية كبري تجاه إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط‏,‏ هذا بالإضافة إلي أن إنهاء الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي‏,‏ سيكون البداية لمعالجة الأزمات الأخري في المنطقة‏,‏ وهذا‏,‏ في اعتقادي‏,‏ يصب في مصلحة السلم والاستقرار العالميين‏.‏

 

تفعيل دور الرباعية الدولية مهم وضروري للغاية

الأهرام‏:‏ منذ اندلاع انتفاضة الأقصي في أواخر سبتمبر‏2000,‏ وهناك تعثر دائم في جهود عملية السلام‏,‏ ولم تنجح جهود اللجنة الرباعية الدولية المختصة بالسلام في الشرق الأوسط المكونة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا في تحريك الأمور‏.‏ فما هي قيود وعقبات عمل هذه اللجنة؟ وهل هناك جدوي من استمرار عملها لتحريك عملية السلام؟ وما هي فرص التنسيق بينها وبين اللجنة الرباعية العربية‏(‏ مصر‏,‏ الأردن‏,‏ السعودية والإمارات‏)‏؟

الملك عبد الله الثاني‏:‏ أعتقد أن اللجنة الرباعية تشكل آلية مهمة‏,‏ فهي تمثل الأطراف الدولية المؤثرة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي‏,‏ واستمرار عملها وتفعيل دورها ضروري ومهم للغاية للمساعدة والمساهمة في دفع جهود السلام وإعادة إطلاق العملية السلمية‏,‏ وتذليل العقبات التي تقف أمام تحقيق أهدافها‏.‏ والأهم من ذلك أن اللجنة الرباعية توفر الزخم الدولي المطلوب لدفع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لاتخاذ إجراءات عملية لبناء الثقة‏,‏ والتمهيد لإطلاق العملية من جديد وفق الأسس والمعايير والقرارات الدولية ذات الصلة‏.‏ أما بالنسبة للتنسيق بين الرباعية الدولية وما بات يعرف بالرباعية العربية‏,‏ فأنا حقيقة لا أميل إلي هذه التسمية‏,‏ بل أود أن أطلق عليها تسمية مجموعة الدول العربية الهادفة لتحريك عملية السلام والتي تضم أيضا بالإضافة للأردن والسعودية ومصر ودولة الإمارات العربية‏,‏ عدة دول عربية أخري‏.‏ والمهم في الأمر أن هناك فرصة لتفعيل التنسيق بين الرباعية الدولية والمجموعة العربية والإسهام بشكل فاعل في دفع عملية السلام إلي الأمام‏.‏ إن التنسيق قائم بين المجموعتين لتحقيق هذه الغاية‏,‏ وهو ضروري إذا أردنا التوصل إلي نتائج عملية وملموسة‏.‏

 

وثيقة العهد الدولي خطوة مهمة لمساندة العراق

الأهرام‏:‏ بعد مرور أربعة أعوام علي دخول القوات الأجنبية بغداد‏,‏ تزداد الأزمة العراقية سوءا يوما بعد يوم‏.‏ كيف تنظرون إلي تطورات هذه الأزمة في ضوء زيادة أعداد القتلي يوميا وحمامات الدم التي تسيل في العراق؟ وما هو تقويمكم لمؤتمر العراق الذي عقد في شرم الشيخ أوائل الشهر الحالي؟ وكيف يمكن أن يكون المؤتمر قد حقق النتائج المرجوة من وجهة نظركم؟

الملك عبدالله الثاني‏:‏ كثيرا ما حذرنا من تصاعد وتيرة الأزمة التي يشهدها العراق حاليا‏,‏ ويدفع ثمنها أبناء الشعب العراقي والتي يسهم تدخل أطراف خارجية فيها في تغذية الفتنة بين أبناء الشعب الواحد‏,‏ ودفع العراق إلي حافة حرب أهلية‏,‏ تمتد آثارها إلي كل الدول المجاورة‏,‏ وتؤثر في الأمن والاستقرار الإقليمي‏.‏ وفي كل تحركاتنا‏,‏ فإننا نحاول ما استطعنا التنبيه من الأخطار المستقبلية لما يشهده العراق اليوم من قتل وعنف وتدمير‏.‏ لقد ساندنا ودعمنا كل المؤتمرات التي عقدت سابقا حول العراق والرامية للحفاظ علي وحدة العراق‏,‏ وأمنه واستقراره‏.‏ ونأمل في أن يكون مؤتمر شرم الشيخ قد حقق نتائج تسهم في التخلص من الأزمة العنيفة التي يمر بها الشعب العراقي والتوجه نحو إعادة بنائه وترسيخ الاستقرار في بلدهم‏.‏ إن ما اتفق علي تسميته في مؤتمر شرم الشيخ‏’‏ وثيقة العهد الدولي‏’‏ تشكل خطوة مهمة لمساندة العراق وإنهاء التدخل في شئونه وإجراء مصالحة وطنية توقف حالة التشرذم التي يشهدها العراق‏.‏ لكن لا بد هنا من تأكيد أن العراقيين أنفسهم هم الأقدر علي معرفة مصلحة بلدهم شريطة توحيد صفوفهم والوقوف ضد الأصوات التي تعلو هنا وهناك لإثارة الفتن الطائفية وتأجيج حالة العنف والاقتتال‏.‏

 

الأهرام‏:‏ تقدر عدة جهات دولية عدد اللاجئين العراقيين في دول الجوار بنحو المليونين‏,‏ منهم ما يزيد علي‏700‏ ألف عراقي في المملكة الأردنية الهاشمية وحدها‏.‏ إلي أي مدي يمثل هؤلاء اللاجئون مشكلة بالنسبة للأردن؟ وما هي الحلول الممكنة لمعالجتها سواء في الأردن أو في الدول الأخري المجاورة؟

الملك عبدالله الثاني‏:‏ الأردن كان دوما ملاذا لإخوانه العرب‏,‏ والعراقيون في الأردن هم بين أهلهم وأشقائهم جاءوا إلينا بحكم الظروف القاسية والصعبة التي يمر بها بلدهم‏,‏ ونحن قدمنا لهم جميع التسهيلات التي توفر لهم الحياة الكريمة‏.‏ ولكن أكثر ما بتنا نخشاه في هذه المرحلة هو أن نشهد تدفق أعداد كبيرة من أبناء الشعب العراقي إلي الأردن‏,‏ مما سيشكل أعباء إضافية علينا‏,‏ خاصة أن إمكاناتنا محدودة‏.‏ إن علي المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية أن تتحمل مسئولياتها‏,‏ وتدفع باتجاه توفير المساعدات اللازمة للدول التي تستضيف العراقيين‏,‏ وتمكينها من توفير الرعاية لهم حتي تستقر الأمور في بلدهم‏,‏ ويتمكنوا من العودة‏.‏ إن مشكلة هجرة وهروب العراقيين من وطنهم هي مسئولية قوات التحالف والحكومة العراقية‏,‏ الذين يتولون حفظ الأمن وحماية المدنيين في العراق‏,‏ وعليهم أن يعملوا علي حماية أرواح وممتلكات العراقيين ووضع حد للعمليات الإرهابية التي تقوم بها الجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة‏,‏ مما يؤدي إلي لجوء العراقيين إلي الدول المجاورة بحثا عن الأمان‏.‏ إن أمن العراق واستقراره هو مصلحة أردنية وعربية‏,‏ مثلما هو مصلحة عراقية‏,‏ ونحن حريصون علي دعم أشقائنا العراقيين لبناء العراق الآمن المستقر الموحد‏.‏

 

ندعم دعوة الرئيس مبارك إلي عقد مؤتمر دولي لمعالجة الإرهاب

الأهرام‏:‏ الإرهاب ظاهرة عالمية يزداد انتشارها في المنطقة العربية‏.‏ وقد شاهدتم ما حدث أخيرا في الجزائر والدار البيضاء‏,‏ كما أن بلادكم عانت كغيرها من هذه الآفة الخطيرة‏,‏ ولا ننسي تفجيرات عمان في نوفمبر‏2005‏ التي استهدفت‏3‏ فنادق‏,‏ وأودت بحياة‏60‏ شخصا‏,‏ وأصابت أكثر من‏100‏ آخرين وقد أكدتم أن الأردن لن يتراجع عن سياسة مكافحة الإرهاب‏,‏ ودعوتم إلي إستراتيجية دولية لمكافحته‏.‏ فما هي الإجراءات التي تتبعها الحكومة الأردنية لعدم تكرار مثل هذه الأحداث مرة أخري؟ وما هو السبيل لتلبية دعوة الرئيس حسني مبارك لعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب؟

الملك عبدالله الثاني‏:‏ بداية نحن مع كل جهد عربي أو إقليمي أو دولي يصب في التصدي لخطر الإرهاب الذي بات يهدد الجميع‏,‏ وندعم في هذا السياق دعوة الأخ الرئيس مبارك لعقد مؤتمر دولي يعالج الإرهاب ويضع آليات ناجعة وعملية لمكافحته ووقف انتشاره‏,‏ لأننا ندرك تماما مخاطر الإرهاب والفكر الإرهابي التكفيري الذي استهدفنا واستهدف أمننا وراح ضحية له عدد كبير من المواطنين الأبرياء‏,‏ كما ندرك أن التصدي لهذا الخطر واستئصاله هو في التوحد والتماسك علي امتداد ساحة الوطن العربي والإسلامي‏.‏ فهذا الوعي هو السلاح الذي يمكننا من إفشال مخططات الإرهابيين الذين يسعون إلي جعل الدول العربية ساحة للفوضي والتدخلات الأجنبية‏.‏ ومن هنا جاءت رسالة عمان التي أطلقها الأردن في عام‏2004‏ لتؤكد القيم النبيلة للدين الإسلامي‏,‏ والقائمة علي السلام والمحبة والتسامح وقبول الآخر‏,‏ وفضح زيف ادعاءات الإرهابيين الذي يتسترون وراء الدين لتنفيذ مخططاتهم وهو منهم براء‏.‏

 

الأهرام‏:‏ العلاقات بين مصر والأردن تعد نموذجا مثاليا سواء علي مستوي القيادة السياسية أو المستوي الشعبي‏.‏ كيف تنظرون إلي التعاون الثنائي بين البلدين علي مستوي جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية في ضوء ما تردد حول إغلاق وزارة العمل الأردنية باب استقدام العمالة المصرية مؤقتا؟

الملك عبدالله الثاني‏:‏ العلاقات بين البلدين متميزة وقوية‏,‏ وأنا مرتاح وسعيد للمستوي الذي وصلت إليه هذه العلاقات‏.‏ واقتصاديا هناك ازدياد في الاستثمارات وفي حجم المشاريع التي يقيمها القطاع الخاص في البلدين‏.‏ وعلاقتي بالرئيس مبارك علاقة قوية‏,‏ تعود إلي أيام والدي المغفور له الملك الحسين بن طلال‏.‏ ولدي البلدين التحديات نفسها سياسيا‏..‏ والتعاون فيما بيننا متواصل علي مختلف المستويات‏..‏ خاصة أننا والأخوة المصريين أقرب الناس بالنسبة للقضية الفلسطينية‏..‏ وأمامنا اليوم فرصة للحركة ومساعدة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي علي الالتزام بعملية السلام‏..‏ ومصر والأردن يلعبان دورا مهما علي الصعيد العربي والإسلامي في هذا الشأن وهناك تنسيق وتشاور دائم مستمر بيننا‏.‏ وقد وصلنا إلي مرحلة متقدمة من التعاون الثنائي ظهرت ـ برأيي في مدي الانسجام والاتفاق بين البلدين حول العديد من القضايا العربية الإقليمية‏,‏ وبشكل خاص القضية الفلسطينية‏,‏ وتوظيف علاقات الدولتين ـ مصر والأردن ـ مع المجتمع الدولي‏,‏ لما فيه مصلحة القضية الفلسطينية ومجمل القضايا العربية‏.‏

 

أما في المجال الاقتصادي‏,‏ فهناك العديد من المشاريع الاقتصادية بين الدولتين تدلل علي نضج التعاون الاقتصادي الثنائي‏,‏ فمشاريع الربط الكهربائي‏,‏ ونقل الغاز وغيرها كلها مؤشرات اقتصادية إيجابية‏,‏ ودليل علي إمكان تطوير العلاقات والتعاون الاقتصادي بين البلدين نحو آفاق جديدة‏.‏

وبخصوص ما أشرت إليه حول استقدام العمالة المصرية فهو أمر تنظيمي وأعتقد أنه لمصلحة العمال المصريين‏,‏ وهو مرتبط بواقع سوق العمل الأردنية ومتطلباتها‏,‏ والضغوطات التي تواجهها‏,‏ خاصة تلك المتعلقة بالزيادة المطردة في أعداد طالبي العمل مما يستدعي استحداث إجراءات تنظم نسبة العمالة الوافدة إلي الأردن مقابل العمالة الوطنية‏.‏ ولم يكن المقصود بهذا الإجراء التنظيمي أي عمالة عربية بعينها‏,‏ وإنما مراعاة مصلحة العمالة الوطنية‏,‏ وقد ارتأت الحكومة والأجهزة التنفيذية أن هذا الترتيب هو الأنسب‏,‏ وتم بالتنسيق مع الإخوة في مصر‏.‏

 

نحتاج إلي إعطاء دفعة جديدة للتعاون العربي ـ العربي

الأهرام‏:‏ التعاون العربي ـ العربي‏..‏ يتحدث الكثيرون عن بناء نظام عربي جديد‏..‏ هل لدي جلالتكم أفكار لدعم التعاون العربي اقتصاديا وسياسيا؟

الملك عبدالله الثاني‏:‏ أفكارنا حول التعاون العربي ـ العربي ترتكز علي أساسيات وقواعد العمل العربي الراسخة‏,‏ والتي تضمها العديد من المواثيق والأطر العربية القائمة‏.‏ ولكننا بحاجة إلي دفعة جديدة في مجال التعاون العربي ـ العربي تثبت لشعوبنا أن القيادات العربية حريصة علي التأسيس لجسم عربي متعاون صلب‏,‏ وأرضية الانطلاق الأنسب هي جامعة الدول العربية‏,‏ فهي قادرة بتاريخها وما تتحلي به من إجماع علي أن تمثل مظلة تنظيمية ينبثق‏,‏ عنها العديد من الأجهزة التنفيذية والمتخصصة كأجهزة تعني بتنظيم قطاع الطاقة‏,‏ خاصة أن بعض الدول العربية يطمح إلي استخدام سلمي للطاقة النووية‏.‏ أيضا لا بد من وجود أجهزة عربية تنفيذية متخصصة تعني بتنظيم قطاع التعليم‏,‏ الذي يتطلب تنظيمه المحافظة علي قواسم مشتركة في مناهجنا التعليمية العربية تضمن بث روح الانسجام والحس الجماعي العربي بين الشباب العرب‏.‏ إننا نمر بالعديد من التحديات المتعلقة‏,‏ علي سبيل المثال‏,‏ بالقضية الفلسطينية والوضع في العراق ودارفور والصومال‏,‏ وبالتالي فإن وجود جامعة عربية قوية سيساعد جميع الدول العربية في التصدي لهذه التحديات والمساهمة في بناء مستقبل واعد للعالم العربي‏.‏ وقد ساند الأردن الاقتراح الذي تقدمت به دولة الكويت الشقيقة خلال قمة الرياض الأخيرة‏,‏ لعقد قمة عربية اقتصادية‏,‏ لمناقشة التعاون الاقتصادي العربي‏.‏ كما أننا طالبنا من خلال المنتديات المختلفة‏,‏ مثل المنتدي الاقتصادي العالمي‏,‏ بأن يكون التعاون العربي بين ممثلي القطاع الخاص في مختلف الدول العربية هو الأساس‏.‏

 

شعاري هو البناء علي المنجزات واستمرار التطوير والتحديث

الأهرام‏:‏ جلالة الملك ثماني سنوات مرت علي تولي جلالتكم الحكم في ظل ظروف صعبة يمر بها الأردن والمنطقة العربية‏.‏ نريد أن تحدثنا عن تجربتكم‏.‏

الملك عبدالله الثاني‏:‏ لقد كان شعاري الذاتي خلال هذه الفترة‏:‏ البناء علي المنجزات والاستمرارية في التطوير والتحديث‏.‏ فبفضل عطاء الشعب الأردني المخلص ورؤية والدي المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال‏,‏ توافرت لنا مجموعة من الانجازات والمؤسسات الكفء والمنتجة‏,‏ ولكن مسئولية الأمانة في القيادة والواجب التاريخي‏,‏ الذي نذرنا أنفسنا له كأسرة هاشمية‏,‏ دفعتني وتدفعني لتطوير ما هو متوافر والبناء عليه‏.‏ وقد شهد الأردن بحمد من الله وبعزيمة الأردنيين تقدما ملحوظا ومبشرا في العديد من القطاعات الاقتصادية والتنموية‏,‏ والسياسية أيضا‏.‏

فالمؤشرات الاقتصادية التي تدل علي معدلات نمو إيجابية‏,‏ والاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية وزيادة الصادرات الوطنية‏,‏ وتطور القطاع الصناعي كلها تؤكد عافية اقتصادنا الوطني‏.‏ وفي المجال التنموي البعيد والقصير المدي اعتمدنا خططا تنموية شمولية تستهدف تنشيط مناطق جغرافية معينة اقتصاديا بهدف إيجاد اقتصاد وطني متكامل‏,‏ والتجارب في كل من العقبة والمفرق وحديثا إربد مبشرة في هذا الاتجاه‏.‏ وفي الساحة السياسية‏,‏ فإننا حريصون علي الالتزام بالديمقراطية كنهج لمؤسساتنا الدستورية‏,‏ والتزامنا بإجراء الانتخابات النيابية والبلدية في مواعيدها الدستورية والقانونية بالرغم من صعوبة الظروف الإقليمية دليل علي صدقية هذا الالتزام‏.‏ ولكن التحدي الحقيقي الذي يواجهه الأردن في مسيرته هو التوترات الإقليمية المحيطة التي تهدد الأردن والعديد من الدول المحيطة والعديد من الدول العربية أيضا‏,‏ وهذا يتطلب وعيا ودراية منا جميعا‏,‏ لتفويت فرص التعرض للمنجزات الوطنية أو تعطيل مسيرة البناء والتحديث‏.‏

 

الأهرام‏:‏ سألت مواطنا أردنيا عن السؤال الذي يريد أن يسأله لجلالة الملك‏,‏ فقال لي ارتفاع الأسعار؟

الملك عبدالله الثاني‏:‏ الموضوع حاضر في ذهني وأنا أدرك موضوع ارتفاع الأسعار‏..‏ وأنا أدرك أن هذا السبب يكمن في ارتفاع الفاتورة النفطية وهو أكبر تحد يواجهنا‏.‏ وإن شاء الله الأمور تتحسن خلال السنوات المقبلة‏..‏ فاتورة النفط‏,‏ خاصة بعد ارتفاع سعر برميل النفط‏,‏ شكلت علينا عبئا إضافيا‏..‏ فقبل سنوات كانت الفاتورة السنوية بحدود‏250‏ مليون دينار‏,‏ وحاليا ارتفعت إلي أكثر من مليار ونصف المليار دينار‏..‏ وأهم شيء بالنسبة لنا الآن هو كيف نستطيع أن نخفف من العبء علي المواطن الأردني‏..‏ ولقد انخفضت نسبة البطالة من‏17%‏ إلي نحو‏14%‏ ونأمل في أن تنخفض قريبا إلي‏12%‏ ثم إلي‏10%.‏

 

خلفية المقابلة مع الأمير الحسن

الأهرام‏:‏ بعد قصة مصادرة شريط مقابلة الأمير الحسن الذي أجرته قناة الجزيرة القطرية‏,‏ ما هي خلفية هذه القضية وهل هناك أي اتصالات مع عمكم الأمير الحسن بن طلال‏..‏ وهل هناك أي تشاور بينكم حول أية قضايا سواء كانت داخلية أو خارجية؟

الملك عبدالله الثاني‏:‏ القضية ضخمت أكثر من اللازم‏,‏ واعتقد أنها استحوذت علي قدر كبير من الاهتمام لأنه من غير المعتاد أن تقوم الجهات الأردنية المسئولة باتخاذ مثل هذا الإجراء ضد مؤسسات إعلامية‏.‏ اعتقد أن بعض الجهات استغلت هذه المسألة‏,‏ وربما أن سمو الأمير الحسن‏,‏ غاب عنه أثناء إجراء هذه المقابلة‏,‏ أن هذه التصريحات‏,‏ قد تضر بمصالح الأردن وعلاقاته مع بعض الدول العربية‏.‏ أود أن أؤكد مرة ثانية أن بعض وسائل الإعلام استغلت أجواء الانفتاح الإعلامي في الأردن لإثارة مثل هذه المشكلة‏.‏ التي كان من الممكن أن تعالج دون هذه الضجة الكبيرة‏.‏ إن الأردن ملتزم بحرية الصحافة وتسهيل مهمتها‏,‏ وهناك العديد من القوانين والأنظمة الناظمة للإعلام مثل قانون المطبوعات والنشر الجديد وقانون حق الحصول علي المعلومات الذي اقره مجلس النواب أخيرا‏.‏ نحن نؤمن بان الإعلام يلعب دورا مهما محليا وإقليميا وهو شريك في التنمية الاقتصادية والسياسية وقادر علي تقوية تعزيز التعاون العربي ـ العربي‏.‏ واعتقد أن الجمهور العربي يتوقع من الإعلام أن يقدم له أخبارا ومعلومات وتحاليل تساعد علي تحقيق هذه الأهداف‏.‏

 

الأهرام‏:‏ جلالة الملك‏..‏ يستضيف الأردن خلال الأسبوعين المقبلين المنتدي الاقتصادي العالمي وقمة الدول الإحدي عشرة و مؤتمر الحائزين علي جائزة نوبل‏,‏ ما هي أهمية هذه المؤتمرات في تعزيز التنمية الاقتصادية والأمن والاستقرار في المنطقة؟

الملك عبدالله الثاني‏:‏ في الحقيقة نعول كثيرا علي مثل هذه المؤتمرات في تقوية عري التعاون وتعزيزه بين دول المنطقة وباقي دول العالم‏.‏ ونحن نؤمن بأن هذه المؤتمرات والموضوعات العديدة التي ستناقشها لها أهمية قصوي في إيجاد آليات عملية لمعالجة تحديات اقتصادية وتنموية وسياسية واجتماعية‏.‏ كما أننا نحرص علي استثمار هذا الحضور الدولي الواسع‏,‏ الذي يمثل قيادات سياسية واقتصادية وعلمية‏,‏ لها حضورها الفاعل‏,‏ للاستمرار في جهدنا لحشد التأييد للقضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية‏,‏ التي باتت تحتاج أكثر من أي وقت مضي‏,‏ إلي دعم ومساندة جميع الدول والقوي المؤثرة في العالم‏,‏ التي تؤمن بأن السلام هو الطريق الوحيد‏,‏ لترسيخ الأمن والاستقرار‏.‏

 

الأهرام‏:‏ ما هو المدي الذي وصلت اليه علاقات الأردن مع كل من سوريا وقطر؟

الملك عبدالله الثاني‏:‏ علاقتنا مع سوريا ممتازة‏..‏ وهناك تبادل للزيارات بين المسئولين في البلدين‏..‏ ونحن نتعاون في عملية تطوير المشاريع التي يقومون بتنفيذها خاصة في مجال التعليم والنظام المصرفي‏,‏ والعلاقة ما بين الشعبين والبلدين تجري علي ما يرام‏..‏ وأحيانا يحدث سوء تفاهم علي المستوي السياسي ولكن نحن نأمل في أن يتم تجاوز ذلك‏..‏ أما العلاقة مع دولة قطر هذه الأيام فليست علي المستوي الذي نريد‏..‏ ولكننا نأمل في أن تتحسن في المستقبل‏..‏

 

الأهرام‏:‏ كيف تنظرون إلي تطور العلاقات الاردنية مع الغرب ؟

الملك عبدالله الثاني‏:‏علاقاتنا مع الغرب قوية‏..‏ ولكن تركيزنا خلال السنوات الأخيرة علي الشرق‏..‏ آسيا تلعب دورا مهما جدا‏..‏ ويجب تطوير العلاقات اقتصاديا ما بين المنطقتين العربية والآسيوية‏.‏ وتطوير العلاقات مع الباكستان وسنغافورة وإندونيسيا وماليزيا وروسيا والصين مهم جدا‏..‏ ليس للأردن فقط‏,‏ ولكن لجميع الدول العربية‏.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى