رسالة شرم الشيخ

ها هي مدينة شرم الشيخ تثبت من جديد أنها محور للأحداث الإقليمية المهمة, وصانعة السلام ومفتاح التغيير الإقليمي, حيث تحتضن اليوم أكثر المؤتمرات السياسية والدبلوماسية تأثيرا في مسار الأزمة العراقية, وهو حدث تاريخي للعراق والمنطقة, حيث تصدر عنه وثيقة ـ العهد الدولي ـ التي تلزم المجتمع الدولي بوقف الحرب وإعادة إعمار العراق, وسط مناخ يسوده التدهور الأمني والاقتصادي والإنساني.
فشعب العراق الشقيق يعيش الآن مثخنا بجراح أليمة, بعد أربع سنوات من الاحتلال الأمريكي أوصلته إلي حافة الحرب والاقتتال الأهلي. وقد أدت الحرب غير المبررة علي بلاده إلي تدميره, وموت أكثر من مليون عراقي وتشريد وتهجير الملايين غيرهم خلال سنوات الاحتلال من عام2003 إلي عام2007, وهكذا زادت حدة الأزمة العراقية التي بدأت قبل ذلك بسنوات.
ولأن العراق في أزمة حادة منذ عام1979 تمثلت في فترة الحصار عليه وحروبه الطويلة ضد إيران والكويت. فإن هذا البلد العظيم المنكوب يبحث عن مخرج وحل نهائي لأزمته وكارثته الإنسانية.
إن الجميع يعرف أن الوضع العراقي قد خرج عن نطاق السيطرة الأمريكية كما يعترف الجميع, ولم يحقق تعزيز القوات الأمريكية والخطة الأمنية الأخيرة شيئا يذكر. وانتقلت الهجمات والانتحارات الجماعية من نقطة إلي أخري. والأخطر من ذلك هو تأجج العنف الطائفي وارتفاع معدلات القتل الجماعي والدفع بالعراقيين إلي الهرب أو العيش في مخيمات اللاجئين.
وسط هذا المناخ وهذه الظروف المعقدة تجيء اجتماعات شرم الشيخ لتعطي رسالة جديدة وعالمية من خلال مؤتمر سياسي ودبلوماسي بأن دول الجوار والمجتمع الدولي يريدان سلام العراق واستقراره.. وهذه هي رسالة مصر وسياستها الخلاقة, فلقد استضافت مؤتمر شرم الشيخ الذي يعد بؤرة اللقاءات الصعبة والدقيقة والحساسة في تاريخ منطقتنا.
وقد تجاوز مؤتمر شرم الشيخ الصعوبات التي وضعت في طريق المشاركة فيه والتي بدأت بالممتنعين والمتحفظين والمترددين, وكانت المشاركة شاملة ولم يتخلف أحد, وكان مستوي التمثيل الوزاري وليس المندوبين مناسبا بل ومميزا وتم خلال المؤتمر الإحاطة بكل الملفات الإقليمية المطروحة, والمرتبطة بالأزمة العراقية.. ولم يغب الملف النووي الإيراني لخطورته عن الاجتماعات واللقاءات الثنائية والجماعية, لارتباطهما في الكثير من المجالات. إلي جانب ملفات أخري متشابكة حول العلاقات السورية ـ الأمريكية.. وكانت الاجتماعات الثنائية والثلاثية فرصا متزايدة لاكتشاف مواقع الأقدام والإعداد للتحرك المستقبلي.
ولم تغب عن قمم شرم الشيخ الأزمة الفلسطينية عبر اجتماعات الرباعية الدولية والرباعية العربية ومحورها المبادرة العربية للسلام, وفك الاحتقان الإقليمي بين الدول المشاركة والمنظمات التي بلغ عدد وفودها50 وفدا.
وبالرغم من إدراكنا أننا لن نحل أزمات المنطقة ومشكلاتها بالمؤتمرات فإننا ندفع الجميع إلي التعاون وإدراك الحقائق علي أرض الواقع.. ولا نريد أن ينضم الجميع إلي طوابير المتفرجين علي مسرحية الدم العراقي المراق أمام الناظرين, بل نريد أن تتوقف حروب الطوائف والمذاهب, وأن ندفع قوات الاحتلال إلي الانسحاب علي ألا تخلف وراءها مزيدا من الفوضي والعنف.
ولقد حان الوقت لتعاون الجميع تحت مظلة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإنهاء الغزو العسكري الأمريكي ذاته باعتباره أكثر العوامل تأثيرا في تدهور الوضع الأمني العراقي.
osaraya@ahram.org.eg