مقالات الأهرام اليومى

بكائيــة فلســطينية

سالت دماء الفلسطينيين غزيرة علي أرضهم وبأيديهم‏,‏ وصارت بكائية القضية الفلسطينية غير كل البكائيات‏..‏ فهي تبكي دما وليس دموعا‏.‏

لقد سالت دماؤهم‏,‏ وسقط قتلاهم في كل مكان‏..‏ بأفنية المنازل‏,‏ وعلي قارعة الطريق‏,‏ والمتقاتلون من نوع خاص جدا‏.‏ فهم أمراء أو باحثون عن السلطة‏,‏ ولذلك يخلطون بين كل الأوراق‏,‏ الإمارة والدولة‏,‏ والدين والسلطة‏,‏ الجهاد والخيانة‏,‏ والحق والخير والشر معا في بوتقة واحدة‏,‏ ولذلك تعجز العقول عن فهم أهدافهم‏,‏ وتلك هي شيمة من يثيرون الفوضي‏,‏ ويختلقون الحروب الأهلية‏,‏ ويثيرون العواطف‏,‏ ويلغون العقول ليصبح القتال علي السلطة في فلسطين هو آخر فصول النكبة والهزيمة‏.‏

لقد فتح الفلسطينيون ملف قضيتهم من الصفحة الأخيرة‏,‏ وها هم من تبقوا منهم يقتتلون علي السلطة تحت الاحتلال‏,‏ ويسعون الي تقسيم الفصول‏,‏ بعد‏59‏ عاما من سقوط الأرض وطرد الأهل وتشريدهم هنا وهناك‏,‏ وفي المخيمات‏,‏ بينما تعيش قلة منهم تحت جبروت الاحتلال‏,‏ أقلية مضطهدة بدولة دينية‏,‏ في عصر يبشر بالمساواة والحريات بين الأجناس والأديان‏,‏ إنه بالفعل مشهد دام‏,‏ فالأهل يقتلون أطفالهم ليعاقبوا الآباء‏..‏ والإخوة يقتلون الحراس ليعاقبوا القائد‏.‏

لقد دفع الفلسطينيون القضية الفلسطينية‏,‏ بأيدي حماس وفتح‏,‏ إلي مفترق طريق دام‏,‏ فالشوارع لم تعد وحدها ثكنات ومتاريس لجنود المحتل‏,‏ بل أصبحت إلي جوارها البيوت وأسطح العمارات ساحة لقتل الإخوة والأصدقاء‏,‏ في مشهد قد يكتب نهاية حزينة لأشرف وأعدل قضية في الوجود‏..‏ قضية الشعب والأرض الفلسطينية التي استولي عليها الغرباء القادمون من كل مكان تحت دعاوي تحقيق أسطورة دينية خيالية‏.‏ إن ملحمة المقاومة الفلسطينية تنتقل‏,‏ بعد ستة عقود من نكبة‏48‏ إلي مسلسل معاناة وخوف واضطهاد من جور المجتمع الدولي ومنظماته الدولية‏,‏ وتردد الأشقاء ومخاوفهم‏,‏ إلي الاقتتال بين أبناء الشعب برغم أنهم يتفقون علي هدف واحد‏,‏ كما أن ثقافتهم ورؤيتهم واحدة‏,‏ والعقدة تشتد والمخاوف تزداد‏,‏ فالقضية والشعب في خطر‏..‏ والخطوط الحمراء‏,‏ وحرمة الدم الفلسطيني علي أهله تستباح في زمن تتولاه قيادات جديدة لا تقيم للحرمة وزنا‏,‏ ولا تفهم التاريخ ولا تدرك من أمرها شيئا‏,‏ ولكن زمن السقوط وضعها في موضع القرار والتحكم فأسقطت كل المعايير واستباحت كل الحدود‏.‏

إن القضية الفلسطينية لم تعد ملكا لمنظمة‏,‏ حتي ولو كانت منظمة التحرير الفلسطينية‏,‏ وهي ليست ملكا لقائد حتي ولو كان الراحل ياسر عرفات‏,‏ ولم تعد أيضا ملكا لشعب حتي ولو كان الشعب الفلسطيني‏,‏ فهي ملك لأمة وعنوان علي وجودها‏.‏ فالعرب كلهم فلسطينيون‏,‏ ولذلك يشاركون أشقاءهم معاناة قتل الفلسطيني للفلسطيني‏,‏ ويدركون حرمة هذا الدم‏,‏ ويستصرخون الضمير الفلسطيني أن يستيقظ وينتبه لمخاطر الاقتتال تحت احتلال استيطاني لم ير العالم أبشع منه من قبل‏,‏ وعلي الفلسطينيين أن يتوقفوا ويتركوا للعقول الحية أن تعمل فليس للمشاعر أو الخواطر أو المصالح مكان في معركة كبيرة كالتي يعيشها الفلسطينيون‏,‏ ويجب عليهم أن ينتصروا‏,‏ وأن يستحضروا ذكري المأساة التاريخية والإنسانية والسياسية والجغرافية‏,‏ ذكري تشريد الشعب وضياع الوطن‏.‏

..‏ أيها الفلسطينيون إنكم تعانون الآن نكبة أكبر وأنتم تقتربون‏,‏ حثيثا‏,‏ من الدولة والنصر‏..‏ وعليكم ان تعوا أن بعض أمراء الحروب وسارقي الحريات يريدون أن يسرقوا ذلك منكم‏,‏ لكنهم لن يستطيعوا‏,‏ وسوف تنتصر الأمة وسيعلو اسم فلسطين وشعبها‏.‏

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى