بكائيــة فلســطينية

لقد سالت دماؤهم, وسقط قتلاهم في كل مكان.. بأفنية المنازل, وعلي قارعة الطريق, والمتقاتلون من نوع خاص جدا. فهم أمراء أو باحثون عن السلطة, ولذلك يخلطون بين كل الأوراق, الإمارة والدولة, والدين والسلطة, الجهاد والخيانة, والحق والخير والشر معا في بوتقة واحدة, ولذلك تعجز العقول عن فهم أهدافهم, وتلك هي شيمة من يثيرون الفوضي, ويختلقون الحروب الأهلية, ويثيرون العواطف, ويلغون العقول ليصبح القتال علي السلطة في فلسطين هو آخر فصول النكبة والهزيمة.
لقد فتح الفلسطينيون ملف قضيتهم من الصفحة الأخيرة, وها هم من تبقوا منهم يقتتلون علي السلطة تحت الاحتلال, ويسعون الي تقسيم الفصول, بعد59 عاما من سقوط الأرض وطرد الأهل وتشريدهم هنا وهناك, وفي المخيمات, بينما تعيش قلة منهم تحت جبروت الاحتلال, أقلية مضطهدة بدولة دينية, في عصر يبشر بالمساواة والحريات بين الأجناس والأديان, إنه بالفعل مشهد دام, فالأهل يقتلون أطفالهم ليعاقبوا الآباء.. والإخوة يقتلون الحراس ليعاقبوا القائد.
لقد دفع الفلسطينيون القضية الفلسطينية, بأيدي حماس وفتح, إلي مفترق طريق دام, فالشوارع لم تعد وحدها ثكنات ومتاريس لجنود المحتل, بل أصبحت إلي جوارها البيوت وأسطح العمارات ساحة لقتل الإخوة والأصدقاء, في مشهد قد يكتب نهاية حزينة لأشرف وأعدل قضية في الوجود.. قضية الشعب والأرض الفلسطينية التي استولي عليها الغرباء القادمون من كل مكان تحت دعاوي تحقيق أسطورة دينية خيالية. إن ملحمة المقاومة الفلسطينية تنتقل, بعد ستة عقود من نكبة48 إلي مسلسل معاناة وخوف واضطهاد من جور المجتمع الدولي ومنظماته الدولية, وتردد الأشقاء ومخاوفهم, إلي الاقتتال بين أبناء الشعب برغم أنهم يتفقون علي هدف واحد, كما أن ثقافتهم ورؤيتهم واحدة, والعقدة تشتد والمخاوف تزداد, فالقضية والشعب في خطر.. والخطوط الحمراء, وحرمة الدم الفلسطيني علي أهله تستباح في زمن تتولاه قيادات جديدة لا تقيم للحرمة وزنا, ولا تفهم التاريخ ولا تدرك من أمرها شيئا, ولكن زمن السقوط وضعها في موضع القرار والتحكم فأسقطت كل المعايير واستباحت كل الحدود.
إن القضية الفلسطينية لم تعد ملكا لمنظمة, حتي ولو كانت منظمة التحرير الفلسطينية, وهي ليست ملكا لقائد حتي ولو كان الراحل ياسر عرفات, ولم تعد أيضا ملكا لشعب حتي ولو كان الشعب الفلسطيني, فهي ملك لأمة وعنوان علي وجودها. فالعرب كلهم فلسطينيون, ولذلك يشاركون أشقاءهم معاناة قتل الفلسطيني للفلسطيني, ويدركون حرمة هذا الدم, ويستصرخون الضمير الفلسطيني أن يستيقظ وينتبه لمخاطر الاقتتال تحت احتلال استيطاني لم ير العالم أبشع منه من قبل, وعلي الفلسطينيين أن يتوقفوا ويتركوا للعقول الحية أن تعمل فليس للمشاعر أو الخواطر أو المصالح مكان في معركة كبيرة كالتي يعيشها الفلسطينيون, ويجب عليهم أن ينتصروا, وأن يستحضروا ذكري المأساة التاريخية والإنسانية والسياسية والجغرافية, ذكري تشريد الشعب وضياع الوطن.
.. أيها الفلسطينيون إنكم تعانون الآن نكبة أكبر وأنتم تقتربون, حثيثا, من الدولة والنصر.. وعليكم ان تعوا أن بعض أمراء الحروب وسارقي الحريات يريدون أن يسرقوا ذلك منكم, لكنهم لن يستطيعوا, وسوف تنتصر الأمة وسيعلو اسم فلسطين وشعبها.