2019مقالات الأهرام اليومى

البارون ومصر الجديدة والقاهرة

الأثنين 10 من محرم 1441 هــ
العدد 48489
كل قاهرى..وكل مصرى ..سوف يستهويه، بل ويطربه، ما يحدث حوله فى القاهرة القديمة..إذا توقفت فى وسط المدينة أدركت أن هناك تطورا فى وسطها، وأن القاهرة تتغير من القلب، فها هو أهم موقع على نيلها يتجدد، فمن التحرير إلى المتحف هناك عمل مستمر، فى أغلى موقع من أراضيها، ليعود الوسط ينبض بأرقى عمارة بالقاهرة الإسماعيلية التى كانت، ولا تزال، فرجة للناظرين.. وعلى ما يبدو لى فإن أول بقعة فى القاهرة ستعود، إلى سابق عهدها، هى منطقة مصر الجديدة، لأن عمليات الترميم فى قلب مصر الجديدة تجرى على قدم وساق كل يوم.

يقودنى خيالى إلى قصر البارون (البلجيكى) إمبان الذى بنى هذه الضاحية الجميلة للمصريين، والتى كانت درة فى جبين القاهرة، تتزين بها، أمام ضيوفنا والسائحين والزوار القادمين إلينا عبرها من مطار القاهرة القديم والمتجدد، وعندما حاولنا أن نقيم ضاحية جديدة موازية لها فى الروح والشكل، هى مدينة نصر، سيطرت عليها العشوائية، وعدم التخطيط، وغياب العمارة الجميلة، والشوارع الضيقة والعمارات الكبرى بلا خدمات متطورة، حتى أصبحت مسخا مشوها من الضاحية الجميلة الأصلية، ولا يمكن مقارنتها مع مصر الجديدة التى قاومت عنصر التحلل والزحام التى تفشت فى عاصمة مصر القاهرة، بكل أحيائها وجمالها القديم عبر الزمان..بسبب عناصر التشويه وغياب الصيانة، وعدم متابعة الجماليات، وغياب العمل المستمر والعلم الذى هو عماد الحفاظ على المدن والحضارة.

ورغم كل المتاعب التى عانت منها القاهرة، فقد حافظت مصر الجديدة على مسحة من جمالها المشوق القديم، لكى تعود إلى سابق مجدها ورونقها، وقد حاولت مصر منذ الثمانينيات بناء ضواح جديدة للقاهرة، مثل التجمع، و6 أكتوبر ، ورغم الأمراض التى تكنف هذه الضواحى، فإنها أفضل حالا من كارثة مدينة نصر العشوائية الكبرى فى قلب القاهرة النابض، ولكن يبدو لى أن ما يحدث الآن فى العاصمة الإدارية، وما حولها، أنه ينقل القاهرة نقلة حضارية جديدة وحديثة، وإلى جيل متقدم من إنشاء المدن والأحياء المعاصرة، يقف في مصاف العواصم الحية المتجددة….إنى مهتم بدعوة القاهريين جميعا لمشاركة أهالى مصر الجديدة، ومدينة نصر، فى حالة الانبهار التى تحدث حولهم، وهم يرون عملية بناء المونوريل (أو القطار الطائر) الذى سوف ينقل سكان الضواحى إلى وسط المدينة، وإلى العاصمة الإدارية، وإلى آخر أطراف القاهرة فى 6 أكتوبر فى دقائق، وبسرعة فائقة، لا يوقفها الزحام، أو التكدس المروري.. ويصحح كل الأخطاء التى اكتنفت مترو الأنفاق فى مراحل الإنشاء، أو الأخطاء فى إزالة مترو مصر الجديدة القديم.

إن التطور الجديد حضارى ومختلف للمدينة أو العاصمة العريقة، وعليكم أن تتابعوا ما يحدث فى قصر البارون الذى سوف يتجدد، كرسالة لأهل مصر الجديدة بأن قلب الضاحية يعود للحياة من جديد، وأن بيت الأشباح سيصبح قصرا للثقافة والفنون والحضارة، ونقطة للجاذبية، وروحا متدفقة لأهل هذه النقطة الحية.. إن (100 مليون جنيه) مبلغ بسيط، لكى يعود لمصر الجديدة، قلبها القديم أو قصرها الفريد، فعملية الترميم التى تحدث فى هذا القصر تدعو للإعجاب، والإشادة وتدعونا لمشاركتهم. نريد من الفرق الموسيقية المصرية أن تذهب إلى باحة القصر العريق، وتقيم عروضها الجديدة للذين يعملون، كإشارة إلى عودة الروح إلى قصر البارون، بانى مصر الجديدة..يبدو أننا نقترب من يوم الافتتاح الموعود لهذا القصر الفريد.. مدينة مصر الجديدة كانت نموذجا يحكى، لاجتماع العقلية الذكية فى حركة البناء.

مصر الجديدة قصة تحكى فى عالم العمارة، وعلم الإنشاء، أعتقد أن قصر البارون سوف يحمل منها الكثير، لكى تعود الذاكرة للمصريين، كيف كانوا قادرين فى عام 1905على التجديد والبناء والعمل المنظم، فقدموا للعقل المصرى ضاحية جميلة، تحمل صفات الجمال والحداثة فى مطلع القرن العشرين، كما حملت كل تراثهم القديم العربى والمملوكى، وفى الوقت نفسه جددت الروح، لتقدم مدينة جميلة يراها الأوروبيون مثل مدنهم الحديثة، ويراها القاهريون والمصريون مثل تاريخهم القديم، قالت لهم إن الحداثة ليست ضد القديم، بل أن تتضمن كل الجمال، وتصوغ الخيال، لتجعل منه حقيقة ناصعة على الأرض، يعيش فيها الناس، ويحيون ويتجددون.. (مدينة مصر الجديدة قامت على نحو 6 آلاف فدان) أرض صحراوية، لم تقتطع من الأراضى الزراعية المصرية، مثلما حدث فى الستينيات عندما استهلكت أراضى الدقى، والمهندسين، والهرم، والمناطق المحيطة بالقبة، والمرج وغيرها من الأراضى الزراعية الخصبة التى كانت تحمى القاهرة القديمة بسياج من الخضرة والجمال، وفى الوقت نفسه تغذى القاهريين باحتياجاتهم من الخضر والفاكهة بدلا من أن تأتى من الدلتا أو من الصعيد. قصر البارون المتجدد، التحفة المعمارية فى طريق المطار للدخول والخروج من القاهرة، يحمل خيالا جديدا للمخيلة القاهرية، بتماثيله وبمعماره الآسيوى الهندى، الممزوج بالطراز العربى الرفيع، وتماثيل بوذا، والتنين الأسطورى الذى يحرس القصر المصمم بطريقة تجعل الشمس لا تغيب عن حجراته وردهاته أبدا، وبه برج يدور على قاعدة متحركة دورة كاملة كل ساعة، ليتيح لمن يجلسون فيه أن يشاهدوا ما حوله فى الاتجاهات كافة، أى يعيش مع كل أحياء مصر الجديدة فى نفس الوقت..سيكون مطمعا متميزا، لا نظير له فى أى بلد أوروبى، كما سيكون فى القصر المتجدد حديقة زهور ونباتات نادرة، تحكى قصة الجمال القديم فى مصر، والروعة عندما تتحرك من القصر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى