لابد أن تكون هى الجنة

الأحد 20 من صفر 1446 هــ
العدد 50301
ترمومتر غزة لا يتوقف، ولذلك فإن أى تحرك فلسطينى يجذبني، ويلفت انتباهي، خاصة إذا كان بوعي، وإدراك لمتغيرات عالمنا انتظارا لهدنة، ووقفا لقتال، أو تطعيما لأطفال غزة، أو وصول المساعدات الغذائية إليهم. لقد جذبنى المخرج السينمائى الفلسطينى إيليا سليمان وهو يخطف جائزة مهرجان سراييفو التقديرية منذ أيام.. وهو يتحدث عن معنى أن تكون مخرجا فلسطينيا وسط رحى الحرب التى تطحن أهله فى غزة، أو الضفة الغربية، وهو السينمائى الذى وضع السينما فى فلسطين على خريطة السينما العالمية، وعلى غير عادة السياسيين الفلسطينيين، أو حتى المقاومين، فإن إيليا يخرج عن المألوف ليجنح نحو الواقعية، والتجديد، والخيال، ورغم المأساة فهو لا يبخل على جمهوره بروح الفكاهة التى لا تستطيع أن تُخفى بالقطع مرارة وكآبة، فهو يقدم فلسطين فى كل أعماله، وقد اكتسح بفيلمه «لابد أن تكون الجنة» كل جمهوره، ومتابعيه، فهو فيلم كالطلقة (يصل، ويستقر فى الذهن)، حيث المخرج يقاوم العدو بسلاح النصر الذى لا يُهزم، فهو يقاوم سينمائيا، ومن خلال أعماله الصامتة، والساخرة يسرد معاناة شخصية استبدت بها أسئلة الوطن، والهوية، والانتماء، فهل هذه الأعمال، وهذا الشخص يمكن هزيمته؟ّ!.. لا أعتقد، ففيلمه الأسير «أن تكون الجنة» كان بحثا سينمائيا عن الهوية الفلسطينية، والجنة هى الهوية الفلسطينية، وفى ظل الاحتلال «لابد أن تكون الجنة» قصة ملحمية مطعمة بالفكاهة يسعى من خلالها المخرج العظيم إلى استكشاف الهوية، والجنسية، والمنفي، ولا يحمل الفيلم رسالة، أو قضية سياسية بالمعنى المباشر، ثم سجل اختفاء ورحل للبحث عن ذاته فى الناصرة، والقدس، ولا تخلو هذه المشاهد من التهكم، والسخرية من الرموز التى تعبر عن فلسطين وقضيتها، ولعل أهمها فى فيلم «يد إلهية» حين يُذهلون عن صورة بالون فى الهواء يحمل صورة ياسر عرفات ويتجاوز الحاجز دون أن يستطيع أحد منعه، وفى «الزمن الباقي» تعتبر إسرائيل صينية البرغل مادة لصنع السلاح. أعتقد أن أفلام إيليا سليمان من الأفلام التى تحكى حال فلسطين ونريد أن نشاهدها فى سينمات القاهرة لنعرف فلسطين أكثر من المبدعين، فهم لا يقلون عن السياسيين والمقاومين فى فهم قضيتهم العادلة.