مصر فى قمتين

الأثنين 3 من محرم 1441 هــ
العدد 48482
فى أيام متتابعة، فى شهر أغسطس المنقضى، مصر بين قمتين عالميتين، الأولى فى فرنسا، والثانية فى اليابان، فى مهمة عاجلة، من أجل التنمية والتطور، وإنقاذ منطقتها وقارتها..
حدث فريد، قلما يحدث فى عالمنا لوقف الحروب والحرائق، لكنه يحدث فى مصر الراهنة، يحدث كأنه حدث عادى، رغم صداه وتأثيره المدوى، واستمراريته، عاكسا حال مصر المعاصرة التى تتحرك على أصعدة واتجاهات مختلفة، سريعة ودقيقة، وكثيفة فى الوقت نفسه، ونتائجها مؤثرة وعميقة، ليس على صعيد حياتنا اليومية فقط، لكن على كل تطلعاتنا المستقبلية.. ومن يراقب حالنا اليوم يرى أن بلادنا فى سباق مع الزمن، لكى تتغير بالكامل، سواء فى الداخل أو الخارج، وتزيد من قدرتها وتأثيرها على المسرحين، الإقليمى أو الدولى تطوى الزمن بفعالية، وتستطيع أن تراقب دورها فى التنمية والنمو، وإطفاء الحرائق، ومواجهة كل عناصر التطرف والإرهاب والتكيف مع المجتمع الدولى، بكل اتجاهاته المتناقضة، بل وتحصل على اعترافه بدورها، وعلو مكانتنا ومصداقيتها، فيما تقول وتفعل..
كانت كذلك فى قمة السبع الكبار فى بيارتيز بفرنسا ..القمة الـ 45 لأقوى سبع دول اقتصادية على مستوى العالم، فى قمتهم السنوية استمعوا إلى صوت مصر المعبر عن إفريقيا.. وفى الوقت نفسه الشرق الأوسط..
كانت مصر قوية بما يكفى، لتعكس رؤية قارتها وإقليمها على استقرار وسلام العالم، لأنها فى كل المجالات تعمل وتتطور… اقتصادها اجتاز حاجز النمو الذى يحصل على احترام العالم.. إصلاحاتها الاقتصادية وصلت إلى مسامع المنظمات الدولية العالمية، وتأكدت من أرقامها واستمراريتها.. وشعبها يواجه الصعوبات، بتحمل ارتفاعات الأسعار، ويصلح الاقتصاديات التى تأخرت طويلا، بقرارات صعبة وقاسية، ولكن هناك تقبلا للإصلاحات، بل هو تطلع إلى المستقبل. بل هو معرفة بطرق بناء الدول الحديثة المتطورة، عندما تعمل وتنمو وتتحمل للأجيال الحالية والمستقبلية.
وتجاربها فى مجالات التنمية، متوسطة وطويلة المدى فى الصحة والتعليم، أصبحت الآن حديث المنظمات الدولية، ببرامج تستطيع المنظمات الدولية قياسها، خاصة فى مجالات المسح الطبى، ومواجهة الأمراض المتوطنة، وخاصة فيروس c الذى أهلك أكباد المصريين..
تجربة رفيعة ومتطورة، تضعها مصر أمام قارتها الإفريقية للتطبيق فى مجالات صحية متنوعة، أما دورها فى مكافحة الإرهاب والتطرف فهو يتم بالتوازى مع الإصلاح الاقتصادى، والتطور الداخلى بسرعة وكفاءة، وقدرة عسكرية وأخلاقية، لا تتدخل فى شئون الدول الشقيقة، بل تتحمل أخطاءها..ويستطيع أى مراقب أن يقارن بين أدوار كل القوى الإقليمية، سواء فى تركيا أو إيران أو إسرائيل، وكيف هذه القوى تعبث بالسلام الإقليمى، وتقف حجر عثرة أمام استقرار الشرق الأوسط.
تركيا ودورها فى ثلاث جبهات رئيسية، فى سوريا وليبيا وشرق المتوسط واضح لكل المراقبين، وخير شاهد على دورها المزعزع للسلام والاستقرار الإقليمى. أما إيران فهى صانعة حروب هذه الحقبة، أنشأت أحزابا ليست لله، وميليشيات إيرانية أطلقت عليها شعبية، ومعاركها فى لبنان والعراق والبحرين واليمن وسوريا لا تخفى على أحد، كل صناعتها التطرف والحروب الأهلية والقلاقل، وتصدير الثورة المتأسلمة، وتسير فى منطقتنا وكأنها سفينة تسير وسط الطوفان، لم تروعها الضربات الأمريكية ولا المقاطعة الاقتصادية .. كما تهدد الملاحة فى المضايق العربية، تفتح علينا نيرانا لحروب عربية إسرائيلية قادمة، بتحريك حزب الله فى لبنان، وحماس فى غزة، والحشد الشعبى العراقى وميليشيات سوريا، ومزقت اليمن بحروب وصراعات لا تنتهى، وجعلت منطقتنا على حافة بركان وحروب مستقبلية، وخراب للاقتصاديات لم تشهده منطقتنا المتوترة منذ القدم. وكان تمثيل مصر، أو رئاستها مع اليابان فى مؤتمر التيكاد, مؤتمر طوكيو الدولى السابع الإفريقى للتنمية, مؤثرا وبليغا، حيث عبرت مصر عن إفريقيا كقارة قادرة على أن تعطى العالم ..بقدراتها التنموية والاستثمارية، فهى قادرة وغنية بالموارد، لكنها مازالت بكرا فى عالم التطور.. ووضعت مصر شكل إفريقيا المستقبلى، فهى تملك رؤية، من خلال المشروعات المدرجة من الاتحاد الإفريقى، من الممكن أن تكون شريكا اقتصاديا لليابان، مثلما كانت مع الصين، كمشروع الربط البرى بين القاهرة وكيب تاون، والربط الكهربائى بين الشمال والجنوب والبحر المتوسط ببحيرة فيكتوريا، ومشروعات السكك الحديدية والطرق والطاقة المتجددة، ومشروعات التجارة.
كانت اليابان والعالم بقواه الكبرى والإقليمية قادرة على أن تقارن بين القوة الإفريقية، صاحبة الرؤية، والقادرة على أن تكون شريكا فاعلا مع العالم، والتى تصنع السلام والتنمية والتطور، وبين من يشجع الإرهاب والتطرف، وصولا لمن يحرق الغابات الإستوائية المطيرة فى البرازيل، ليؤثروا على الأوكسجين، ويزيدوا من ثانى أكسيد الكربون، ويرفعوا حرارة الأرض.. فالمتطرفون فى الشرق الأوسط يقتلون السلام، والمتطرفون فى أمريكا اللاتينية يحرقون الغابات، فهم جميعا يلعبون فى كوكب الأرض، ولعلنا نهتف مع من خرجوا فى أمريكا اللاتينية ليطالبوا بإنقاذ الأرض أو إنقاذ الغابة!! نريد أن نجعلها صالحة للحياة والنمو، بعيدا عن التطرف والحروب، وقتل وتشريد وتهجير الناس، وطردهم من بيوتهم.
هكذا تستطيعون أن تقرأوا مصر المعاصرة.. تبنى وتقف ضد الإرهاب والتطرف..وتصحح الجرائم التى ترتكب حولها.. محترمة القوانين الدولية البيئية فى حق الإنسان فى منطقتنا وقارتنا وعالمنا، لتقول للجميع نحن جميعا نعيش على كوكب واحد، ونتأثر بأى اختلالات أو قرارات عدوانية تحدث حولنا.. امنعوا الحروب لأن شعوبنا تحترق.. أوقفوا الحرائق فى كل مكان، خاصة فى غابات الأمازون، لأنهم يحرقون الأوكسجين، ويخربون الكوكب.. والمؤتمرات العالمية لن تكون كافية لإنقاذ العالم، ما لم تستطع أن تخمد الحرائق والحروب التى مازالت كامنة وتشتعل. إذا لم أستطع أن أدرك أن العالم وقواه الكبرى قد نجح فى مؤتمراته ومنظماته العالمية والأمم المتحدة فى وقف الحروب والحرائق، فإنى أستطيع أن أرى بلدى مصر، أنها تعمل ما عليها، وترضى ضميرها، من أجل شعبها ومنطقتها، بل وعالمها.