سوريا..!

الأربعاء 12 من رمضان 1446 هــ
العدد 50500
سيظل جيلنا يذكر أن أمثولة العقد الثانى من هذا القرن (الحادى والعشرين) كانت سوريا، فرغم المجازر، والحرب التى استمرت فى غزة، وعلى جبهات عديدة فى المنطقة العربية، فإن سوريا كانت الأكثر حزنا، وألما، قتلا وتهجيرا، فنصف الشعب السورى تم تهجيره فى كل ربوع الأرض (الشرق الأوسط والعالم). لقد أصبحت ظاهرة الهجرة السورية هى الأبرز، بل الأكثر وضوحا، والأطول عمرا، حيث الحرب الأهلية استدعت العالم، والإقليم كله، فى سوريا (أمريكا، وروسيا، وتركيا، وإيران، وطبعا إسرائيل)، ثم كان سقوط النظام فى نهاية العام الماضى متسارعا، وإن كان متوقعا فى أى لحظة، بعد أكثر من نصف قرن حكما لعائلة الأسد أطلقوا عليه الحكم العلمانى، أو البعثى، وفى الحقيقة كان تدليلا على حكم طائفى مقيت، وصعب، وظفت فيه الطائفة العلوية الأقل عددا فى سوريا نحو مليونىّ سورى لمصلحة الحكم، أو الطبقة، ولذلك فإن الصراع فى دمشق على سوريا كان طائفيا بامتياز، فقد شعرت الطائفة السنية الأكثر عددا بالاضطهاد، والتهجير، والتعسف لسنوات طويلة فى سوريا الأسد، وتلك حقيقة لا ينكرها أحد، ثم كان التغيير، ورغم التخوفات التى صاحبت هذا التغيير، ورغم تصريحات الرئيس أحمد الشرع كانت متزنة إلى حد كبير، وحاول لملمة الأحداث، وعدم تسارع الثأرات.فقد فوجئنا بمجزرة الساحل السورى، التى راح ضحيتها أكثر من ألف سورى، مجزرة بشعة تعرض لها المدنيون، والعسكريون، فى الساحل، خاصة من الطائفة العلوية، فى معاقلها، والأخطر أن المعركة كشفت لى عن أن هناك مخططا لتفجير سوريا وتفكيكها.أعتقد أن الصورة المعقدة فى سوريا مازالت لم تكشف بعد عن خفاياها، فإسرائيل تعمل على تفتيت الشام، بل الاستثمار فى الأقليات، حيث تغازل الكُرد، والدروز، وتظهر أنها حامى حِمى الأقليات، وإيران تسعى بالقطع إلى عدم إخراجها من المعادلة، وهى خبيرة بتوظيف الشعور الأقلوى، وتركيا هى الأخرى لا تخفى أهدافها فى سوريا، وتوظيف الحكم الجديد لخدمة مصالحها، والخوف كل الخوف مما يُخطط لدولة الأقليات، حيث تشير المعلومات إلى أن إسرائيل تريد نقل نصف مليون فلسطينى من قطاع غزة إلى مناطق الشمال والشرق السورييّن، كما استولت على جبل الشيخ الإستراتيجى، مما جعل دمشق فى الوضع الساقط عسكريا لا سياسيا، وأتاح حرية الحركة لها فى الجنوب السورى، وعمق البقاع اللبنانى، وتعلن أنها ستقف فى وجه النفوذين السنى التركى، والشيعى الإيرانى فى سوريا.